وإجمالا فإن تحديث التعليم أدى إلى:
1 - إدخال العلوم المدنية فى المدارس والجامعات التى انتشرت بشكل ملحوظ خارج الأديرة.
2 - ظهور التخصص وبالذات فى الإسلاميات، وقد " أصبح جزءا عضويا من العلم ومن الأيدولوجيا وثقافة المجتمع الأولى " ().
3 - استخدمت مصنفات المؤلفين المسلمين بوصفها ذات أهمية مدرسية عالية القيمة بالنسبة للاهوتيين الكاثوليك () ولا شك أن هذا انقلاب على التعاليم البولسية.
4 - ظهر فى أوروبا نظام المؤهل الدراسى تحت مسمى الليسانس وهو الترجمة للفظ الإجازة أو الرخصة، وتمنح بعد اختبارات شفهية كما هو معروف عند المسلمين ().
ومدارس الشرق وجامعاته فى مصر وبغداد والكوفة والمدينة المنورة وغيرها معروفة مشتهرة، أما فى الغرب الإسلامى – الأندلس – فقد أحصى بعض الباحثين مدارس غرناطة فقط فى 17 مدرسة كبرى، 120 مدرسة صغيرة، 27 مدرسة مجانية، ومما يدل على رقى الأندلس التعليمى تلك الرسالة التى بعث بها جورج الثانى ملك إنجلترا وفرنسا والنرويج إلى الخليفة هشام الثالث (تولى 1028 - 1032م) وفيها يقول:
" بعد التعظيم والتوقير سمعنا عن الرقى العظيم الذى تتمتع بفيضه الصافى معاهد العلم فى بلادكم العامرة، فأردنا لبلدنا اقتباس هذه الفضائل لنشر أضواء العلم فى بلادنا التى يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة، وقد وضعنا ابنة شقيقتنا الأميرة دوبانت على رأس بعثة من بنات الأشراف الإنجليز. خادمكم المطيع جورج " ().
وأقل ما تدل عليه هذه الرسالة أن العلوم الإسلامية عرفت طريقها إلى مختلف أوربا من قديم، وأن المدارس الإسلامية فى الأندلس كانت تفتح أبوابها للرجال وللنساء على السواء.
ثانيا: العناية بالتطبيقات العملية فى الدراسات القانونية:
ومثالها بوجه خاص شروح مدرسة المحشين اللاحقين - مدرسة بولونيا- وقد اضطرهم صنيعهم إلى تعديل بعض قواعد القانون الرومانى () وفى ذلك يقول الأستاذ الدكتور عز الدين عبد الله " هؤلاء الفقهاء وهم يبحثون عن حلول تنازع الأحوال لم يلتزموا مبدأ معينا يخرجون عليه الحلول، بل راحوا - وأغلبهم تولوا القضاء -يضعون الحلول لمختلف حالات تنازع الأحوال كل على حدة، ويهدفون دائما نحو الحل العادل المعقول الذى يتفق وحاجة المعاملات الخارجية فيما بين المدن ……
على أن مراعاة العوامل الثلاثة المتقدمة: العدالة، وهدى العقل، وحاجة المعاملات كان من شأنه أن باعد هؤلاء الفقهاء بين النصوص وحقيقة معانيها، إذ حملوها أكثر مما تحتمل، بحيث صار الكثير من الحلول التى وضعوها، وليد قدح الذهن أكثر منه وليد تفسير النصوص " ().
وعلى ما يقول سيادته فإن الدراسات أظهرت أن الحلول التى أقرتها هذه المدرسة انتهت إلى:
أ – اعتبار قانون القاضى فى إجراءات التقاضى، والإثبات.
ب – اعتبار قانون المحل فى شكل العقد واعتبار الدليل.
جـ – إخضاع المال لقانون موقعه.
د – اعتبار قانون مدينة الشخص فى أهليته ما لم يكن مستهجنا. ()
وبغير خوض فى تفاصيل كثيرة فإن العناية بالتطبيقات العملية نهج مالكى قح، فالإمام مالك وتلامذته – وهم فقهاء الأندلس وصقلية وقضاتهما – شديدو الاعتبار بعمل أهل المدينة، واعتبار المصالح ومراعاة الأصول فى الأقضية، وإن أدى ذلك إلى ترك العمل بالدليل الجزئى، كحديث ولوغ الكلب فى الإناء، وخيار المجلس، والمصراة، والتوسع فى سد الذرائع وغير ذلك ()
ومعلوم أن الفقه المالكى أحاط بأوروبا من جوانبها، حتى فتح الله القسطنطينية على الأتراك فمكن للمذهب الحنفى، وإن وجد فقه مدرسة الرأى طريقه إلى شرق أوربا قبل ذلك، وباعتراف الغربيين فإنه " أثر تأثيراً عميقاً فى جميع فروع القانون فى إقليم الكرج " جورجيا حالياً " وذلك خلال فترة تمتد من العام 1100 - 1500م" ()، كما أنه وجد طريقه إلى كثيرين من أهل صقلية، ودخل منه شيئ إلى الأندلس قديماً ().
ولم تأت المدرسة الإيطالية بجديد فى مسائل الإجراءات ().
وخضوع شكل العقد لقانون محل إبرامه، والمال لقانون الموقع من قبيل التطبيق للأحكام التى مدركها العوائد، والإمام مالك ? يقول " ما عده الناس بيعا فهو بيع " ().
¥