تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثالث: أن الضرر الذي يترتب على الكذب في الرواية أشد جداً من الضرر الذي يترتب على شهادة الزور فينبغي أن يكون الاحتياط للرواية آكد وقد أجاز الحنفية قبول شهادة الفاسق دون روايته، والتخفيف في الرواية بما تقدم من قيام الحجة بخير الرجل الواحد وغير ذلك لا ينافي كونها أولى بالاحتياط لأن لذلك التخفيف حكماً أخرى، بل ذلك يقتضي أن لا يخفف فيها فيما عدا ذلك فتزداد تخفيفاً على تخفيف.

الرابع: أن الرواية يختص لها قوم، محصورون ينشأون على العلم والدين والتحرز عن الكذب، والشهادة يحتاج فيها إلى جميع الناس لأن المعاملات والحوادث التي يحتاج إلى الشهادة عليها تتفق لكل أحد ولايحضرها غالباً إلا أوساط الناس وعامتهم الذين ينشأون على التساهل فمعقولٌ أنه لوردت شهادة كل من جربت عليه كذبة لضاعت حقوق كثيرة جداً، و لا كذلك الرواية. نعم الفلتة والهفوة التي لا ضرر فيها ويعقبها الندم، ومايقع من الانسان في أوئل عمره ثم يقلع عنه ويتوب منه ومايدفع به ضرر شديد ولا ضرر فيه وصاحبه مع ذلك مستوحش منه ربما يغتفر. والله أعلم.

فأما الكذب في رواية مايتعلق بالدين ولو غير الحديث النبوي فلا خفاء في سقوط صاحبه، فإن الكذب في رواية أثرٍ عن صحابي قد يترتب عليه أن يحتج بذلك الأثر من يرى قول الصحابي حجة، ويحتج هو وغيره به على أن مثل ذلك القول ليس خرقاً للاجماع، ويستند إليه في فهم الكتاب والسنة، ويرد به بعض أهل العلم حديثاً رواه ذاك الصحابي يخالفه ذلك القول ويأتي نحو ذلك في الكذب في رواية قول عن التابعي، أو عالم ممن بعده، وأقل مافي ذلك أن يقلده العامي. وهكذا الكذب في رواية قول عن التابعي، أو عالم ممن بعده، وأقل مافي ذلك أن يقلده العامي. وهكذا الكذب في رواية تعديل لبعض الرواة فإنه يترتب عليه قبول أخبار ذلك الراوي وقد يكون فيها أحاديث كثيرة فيترتب على هذا من الفساد أكثر مما يترتب على كذب في حديث واحد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك الكذب في رواية الجرح فقد يترتب عليها اسقاط أحاديث كثيرة صحيحة وذلك أشد من الكذب في حديث واحد. وهكذا الإخبار عن الرجل بما يقتضي جرحه. وهكذا الكذب في الجرح والتعديل كقوله " هو ثقة "، " هو ضعيف " فالكذب في هذه الأبواب في معنى الكذب في الحديث النبوي أو قريب منه وتترتب عليه مضار شديدة ومفاسد عظيمة فلا يتوهم محل للتسامح فيه على فرض أن بعضهم تسامح في بعض مايقع [في] حديث الناس.

فالأستاذ يرمي بعض أئمة السنة فمن دونهم من ثقات الرواة بتعمد الكذب في الرواية وفي الجرح والتعديل كذباً يترتب عليه الضرر الشديد والفساد الكبير ثم يزعم أنه إنما يقدح بذلك فيما لا يقبله هو منهم فاما ماعداه فإنهم يكونون فيه مقبولين، كذا يقول ()، وكأنه يقول: وإذا لزم أن يسقطوا البتة فليسقطوا جميعاً. وليت شعري من الذي يعادي أبا حنيفة أمن يقتضي صنيعه أنه لا يمكن الذب عنه إلا بمثل هذا الباطل أم من يقول: يمكن المتحري للحق أن يذب عنه بدون ذلك؟.

تنبيه:

ليس من الكذب مايكون الخبر ظاهراً في خلاف الواقع محتملاً للواقع احتمالاً قريباً وهناك قرينة تدافع ذاك الظهور بحيث إذا تدبر السامع صار الخبر عنده محتملاً لمعنيين على السواء كالمجمل الذي له ظاهر ووقت العمل به لم يجيء، وكالكلام المرخص به في الحرب، وكالتدليس فإن المعروف بالتدليس لا يبقى قوله:" قال فلان " ويسمى شيخاً له ظاهراً في الاتصال بل يكون محتملاً، وهكذا من عرف بالمزاح إذا مزح بكلمة يعرف الحاضرون أنه لم يرد بها ظاهرها وإ ن كان فيهم من لا يعرف ذلك إذا كان المقصود ملاطفته أو تأديبه على أن ينبّه في المجلس، وهكذا فلتات الغضب، وكلمات التنفير عن الغلو وقد مرت الإشارة إليها في الفصل الثاني، على فرض أنه وقع فيها مايظهر منه خلاف الواقع. وقد بسطت هذه الأمور ومايشبهها في رسالتي في أحكام الكذب. فأما الخطأ والغلط فمعلوم أنه لا يضر وإن وقع في رواية الحديث النبوي فإذا كثر وفحش من الراوي قدح في ضبطه ولم يقدح في صدقه وعدالته. والله الموفق.

2 ـ التهمة بالكذب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير