تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومقصود السبكي تنبيه المعدلين فإنه قد يخفى على بعضهم معنى " الملكة " فيكتفي في التعديل بانه قد خبر صاحبه فلم يره ارتكب منافياً للعدالة فيعدله، ولعله لو تدبر لعلم أن لصاحبه هوى غالباً يخشى أن يحمله على ارتكاب منافي العدالة إذا احتاج إليه وتهيأ له، ومتى كان الأمر كذلك فلم يغلب على ظن المعدل حصول تلك الملكة وهي العدالة لصاحبه، بل إما أن يترجح عنده عدم حصولها فيكون صاحبه ليس بعدل، وإما أن يرتاب في حصولها لصاحبه، فكيف يشهد بحصولها له؟ كما هو معنى التعديل.

وأهل البدع كما سماهم السلف " أصحاب الأهواء " واتّباعهم لأهوائهم في الجملة ظاهر، وإنما يبقى النظر في العمد والخطأ، ومن ثبت تعمده أو اتهمه بذلك عارفوه لم يؤمن كذبه، وفي (الكفاية) للخطيب ص123 عن علي بن حرب الموصلي:" كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي " يريد والله أعلم أنهم مظنة ذلك فيحترس من أ؛ دهم حتى يتبين براءته.

هذا وإذا كانت حجج السنة بينة فالمخالف لها لا يكون إلا معانداً أو متبعاً للهوى معرضاً عن حجج الحق، واتباع الهوى والإعراض عن حجج الحق قد يفحش جداً حتى لا يحتمل أن يعذر صاحبه، فإن لم يجزم أهل العلم بعدم العذر فعلى الأقل لا يمكنهم تعديل الرجل، وهذه حال الداعية الذي الكلام فيه، فإنه لولا أنه معاند أو منقاد لهواه انقياداً فاحشاً، معرض عن حجج الحق إعراضاً شديداً لكان أقل أحواله أن يحمله النظر في الحق على الارتياب في بدعته فيحاف إن كان متديناً أن يكون على ضلالة ويرجو أنه إن ك ان على ضلالة فعسى الله تبارك وتعالى أن يعذره، فإذا التفت إلى أهل السنة علم أنهم إن لم يكونوا أوى بالحق منه فالأمر الذي لا ريب فيه أنهم أولى بالعذر منه وأحق إن كانوا على خطأ أن لا يضرهم ذلك لأنهم إنما يتبعون الكتاب والسنة ويحرصون على اتباع سبيل المؤمنين ولزوم صراط المنعم عليهم: النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وخيار السلف، فيقول في نفسه: هب أنهم على باطل فلم يأهم البلاء من اتباع الهوى وتتبع السبل الخارجة. ولا ريب أن من كانت هذه حاله فإنه لا يكفر أهل السنة ولا يضللهم ولا يحرص على إدخالهم في رأيه بل يشغله الخوف على نفسه فلا يكون داعية.

فأما غير الداعية فقد مر نقل الإجماع على أنه كالسني، إذا ثبتت عدالته قبلت روايته، وثبت عن مالك مايوافق ذلك، وقيل عن مالك أنهلا يروى عنه أيضاً، والعمل على الأول. وذهب بعضهم إلى أنه لا يروى عنه إلا عند الحاجة، وهذا أمر مصلحي لا ينافي قيام الحجة بروايته بعد ثبوت عدالته. وحكى بعضهم أنه إذا روى مافيه تقوية لبدعته لم يؤخذ عنه، ولا ريب أن ذلك المروي إذا حكم أهل العلم ببطلانه فلا حاجة إلى روايته إلا لبيان حاله، ثم إن اقتضى جرح صاحبه بأن ترجح أنه تعمد الكذب أو أنه متهم بالكذب عند أئمة الحديث سقط صاحبه البتة فلا يؤخذ عنه ذاك ولا غيره، و إن ترجح أنه إنما أخطأ فلا وجه لمؤاخذته بالخطأ، وإ ن ترجح صحة ذلك المروي فلا وجه لعدم أخذه، نعم ق د تدعو المصلحة إلى عدم روايته حيث يخشى أن يغتر بعض السامعين بظاهره فيقع في البدعة، قرأت في جزء قديم من (ثقات العجلي) مالفظه " موسى الجهني قال: جاءني عمرو بن قيس الملائي وسفيان الثوري فقال: لا تحدث بهذا الحديث بالكوفة أن النبي عليه السلام قال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " () كان في الكوفة جماعة يغلون بالتشيع ويدعون إلى الغلو، فكره عمرو بن قيس وسفيان أن يسمعوا هذا الحديث فيحملوه على مايوافق علوهم فيشتد شرهم.

وقد يمنع العالم طلبة الحديث عن أخذ مثل هذا الحديث لعلمه نهم إذا أخذوه ربما رووه حيث لا ينبغي أن يروى، لكن هذا لا يختص بالمبتدع، وموسى الجهني ثقة فاضل لم ينسب إلى بدعة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير