تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن مارس أحوال الرواية وأخبار رواة السنة وأئمتها علم أن عناية الأئمة بحفظها وحراستها ونفي الباطل عنها والكشف عن دخائل الكذابين والمهمين كانت أضعاف عناية الناس بأخبار دنياهم ومصالحها، وفي (تهذيب التهذيب) ج1 ص152:" قال إسحاق بن إبراهيم: أخذ الرشيد زنديقاً فأراد قتله فقال: أين أنت من ألف حديث وضعتها؟ فقال له: أين أنت ياعدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك ينخلانها حرفاً حرفاً؟ " وقيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة. وتلا قول الله عز وجل: [إنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون] والذكر يتناول السنة بمعناه إن لم يتناولها بلفظه، بل يتناول العربية وكل مايتوقف عليه معرفة الحق، فإن المقصود من حفظ القرآن أن تبقى الحجة قائمة والهداية دائمة إلى يوم القيامة لأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء، وشريعته خاتمة الشرائع، والله عز وجل إنما خلق الخلق لعبادته فلا يقطع عنهم طريق معرفتها، وانقطاع ذلك في هذه الحياة الدنيا انقطاع لعلة بقائهم فيها. قال العراقي في (شرح ألفيته) ج1 ص267:

" روينا عن سفيان قال: ماستر الله أحداً يكذب في الحديث، وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: لو أن رجلاً هم أن يكذب في الحديث لأسقطه الله، وروينا عن ابن المبارك قال: لو هم رجل في السحر أن يكذب في الحديث لأصبح والناس يقولون فلان كذاب ".

والمقصود هنا أن من لا يؤمن منه تعمد التحريف والزيادة والنقص على أي وجه كان فلم تثبت عدالته، فإن كان كل من اعتقد أمراً ورأى أنه الحق وأن القربة إلى الله تعالى في تثبيته لا يؤمن منه ذلك فليس في الدنيا ثقة، وهذا باطل قطعاً، فالحكم به على المبتدع إن قامت الحجة على خلافه بثبوت عدالته وصدقه وأمانته فباطل وإلا وجب أن لا يحتج بخبره البتة، سواء أوافق بدعته أم خالفها، والعداله " ملكة تمنع من اقتراف الكبائر .. " وتعديل الشخص شهادة له بحصول الملكة، ولا تجوز الشهادة بذلك حتى يغلب على الظن غلبة واضحة حصولها له، وذلك يتضمن غلبة الظن بأن تلك الملكة تمنعه من تعمد التحريف والزيادة والنقص، ومن غلب على الظن غلبةٌ يصح الجزم بها أنه لا يقع منه ذلك فكيف لا يؤمن أن يقع منه؟ ومن لا يؤمن أن يقع منه ذلك فلم يغلب على الظن أن له ملكة تمنعه من ذلك، ومن خيف أن يغلبه ضرب من الهوى قد يوقع في أشياء يتراءى لنا أنها متضادة، فقد جاء أن موسى بن طريف الأسدي كان يرى رأي أهل الشام في الانحراف عن علي رضي الله عنه ويروي أحاديث منكرة في فضل علي ويقول:" إني لأسخر بهم " يعني بالشيعة، راجع ترجمته في (لسان الميزان).

وروى محمد بن شجاع الثلجي الجهمي عن حبان بن هلال أحد الثقات الأثبات عن حماد بن سلمة أحد أئمة السنه عن أبي المُهَزم () عن أبي هريرة مرفوعاً: " إن الله خلق الفرس فأجراها فعرقت ثم خلق نفسه منها ". وفي (الميزان) أن غرض الجهمية من وضع هذا الحديث أن يستدلوا به على زعمهم أن ماجاء في القرآن من ذكر " نفس الله " عز وجل إنما المراد بها بعض مخلوقاته أقول: ولهم غرضان آخران:

أحدهما: التذرع بذلك إلى الطعن في حماد بن سلمة كما يأتي في ترجمته.

الثاني: التشنيع على أئمة السنة بأنهم يروون الأباطيل والشيعي الذي لا يؤمن أن يكذب في فضائل أهل البيت لا يؤمن أن يكذب في فضائل الصحابة على سبيل التقية، أو ليرى الناس أنه غير متشدد في مذهبه يمهد بذلك ليقبل منه مايرويه مما يوافق مذهبه.

وعلى كل حال فابن قتيبة على فضله ليس هذا فنه، ولذلك لم يعرج أحد من أئمة الأصول والمصطلح على حكاية قوله ذلك فيما أعلم. والله الموفق.

وفي (فتح المغيث) ص140 عن ابن دقيق العيد " إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه إخماداً لبدعته وإطفاء لناره، وإن لم يوافقه أحد ولم يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع ماوصفنا من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره بالتدين وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة علىمصلحة اهانته واطفاء ناره ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير