تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذا - عزيزي القارئ - جهد المقل أضعه بين يديك من وراء القضبان، من داخل زنزانتي الانفرادية، ومع الحراسة المشددة والمستمرة، فلك غنمه، وعلي غُرمه، وأنت الظافر، وأنا العاثر، فإن وُفِّقت فذلك فضل الله وإحسانه إلي، لا بحولي وقوتي: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا}، وإن كانت الأخرى؛ فأسأله سبحانه أن يتجاوز عني ويستر عيبي وذنبي.

وقد اشتملت هذه المقدمة على مباحث خمسة، والله من وراء القصد.

المبحث الأول: في التعريفات

وبما أن الأشياء تعرف بحقائقها. وأضدادها، وأنواعها، وأمثالها، والخطب فيها جليل، والكلام في جنسها ونوعها عسير، والخوض في لججها ليس بيسير، وراقمه أسير، وضُرب بينه وبين مكتبته بسور، والكاتب بلا كتاب قصير، وصاحب الدعوة حقير، وعند العلماء فقير، ولا سيما في أهم العُلوم، أعني علوم القرآن بفروعه المختلفة، و (التحقيق قليل، وطَرْف التنقيح في الغالب كَليل، والوهم نَسِيبٌ للأخبار وخَليل، والتقليد عريقٌ في الآدميين وسليل). والتعريفات لا بد فيها من العلم والمعرفة حتى يمكن فهمها وأداؤها والقيام بها على الوجه المطلوب شرعاً.

? وصف الحملة الشرسة على الإسلام والقرآن:

أما أن تعيد مُعادا، لا شرح، ولا اختصار، ولا إتمام، ولا فتح، ولا استدراك: (فمصيبة لا لَعَا لها). ومعضلة لا أبا الحسن لها. مؤلفات ومقالات لو وزنت بالفحم أو كتبت به كان كثيراً في حقها. مقالات في جرائدنا باسم الإسلام، لا يحسن مثلها الشيطان.

يخط في الرق خطاً ... كأنه خط شيطان

(لا لها عند الله عدد ولا مقدار). لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء. يطحنون الدقيق، ويجرحون الإسلام باسم التحقيق، صح لهم ما لم يصح لإبليس، اجتمع فيهم من الضلال ما تفرق في غيرهم و (الأحداث) شاهدة، كاتب واحد من كتابها أمة في الجهل والضلال، قطفوا الأزهار من محنة الأخيار، تكاشف في هذه الفتنة الأشرار. وكأن أيمن بن خُريم عناهم بقوله:

إِنَّمَا يُسَعّرهَا جاهِلُهَا ... حطب النار فَدَعْها تشتعل

أعمى البصر والبصيرة يريد أن يقودنا، إعلام فاسد، وإبليس حاسد، وفكر كاسد.

أعمى يقود بصيراً لا أبا لكم ... قد ضل من كانت العميان تهديه

أيام حزينة، وحضارة خليعة، وأحكام بلا جريمة، وتُهَمٌ جاهزة بلا بينة، وعدالة معطلة، وأقلام حاقدة، وتبعية خانعة، والعري (أبْكى العيون، وأنكأ القلوب، وَفَتَّ في الأعضاد، وفتت الأكباد) والصالح في البلاد من يقارع الفساد، فساد لو كتب على آماق البصر، لكان عبرة لمن اعتبر. و (من لم يعتبر فقد خسر .. من سلك الجدد أمن العثار. من مأمنه يؤتى الحذر. ويل للسجيّ من الخليّ). أعطوا غباء لا ذكاء. وحتى لو أعطوا ذكاء فـ (لَعَنَ اللهُ الذكاءَ بلا إِيمان، ورضي الله عن البلادة مع التقوى).

حُزْنِي عَلى مَا قَدْ جَرَى فَتَّ الْكَبِدَ * وَالْقَلْبُ مِنْ آلامِهِ مُسْتُأْصلاَ

يَا رَبِّ إِنِّي مُشْفِقٌ مِنْ غُرْبَتِي * يَوْمَ الِلّقَاءِ القَادِمِ أَنْ أُسْأَلاَ

رَبّاهُ ذُو الفَضْلِ الذِي عمَّ الْوَرَى * أَنْزِلْ أَبَا الْفَضْلِ بِخَيْرٍ مِنْزِلاَ

(لا نريد أن نرد النهر إلى مصبّه، والشمس إلى مطلعها، والطفل إلى بطن أمه، واللبن إلى الثدي، والدمعة إلى العين)، ولكن بكينا:

حِينَ اعْتَدَى ذِئْبُ إِنْسٍ * وَاسْتَوْطَنَ الثُّعْلَبَانُ

قَدْ عَادَ شَرْعُ الرَّجِيمِ * وَالْحَقُّ أَمْسَى يُدَانُ

ومع هذا كله؛ فلا تحزن أخي بل اسعد، واصمد، واطمئن، وأبشر، وتفاءل، فكل أمر مرهون بوقته: {إن الباطل كان زهوقاً}، وصدق العقاد حين قال: (كثيراً ما يكون الباطل أهلاً للهزيمة، لكنه لا يجد من هو أهل للانتصار عليه)، فالمفسدون (يومهم بلا غد، وأرضهم بلا سماء، وعملهم بلا خاتمة، وسعيهم بلا نتيجة)، {أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفيه حسابه والله سريع الحساب}، قال تعالى: {وَقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً}، تذللوا وخضعوا لفقه القساوسة والرهبان، فكان إسلامهم (هدماً بلا بناء، وصفة بلا معنى)، وما أكثر -فيهم- من يحب أن يدعى قساً ولم يخدم الكنيسة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير