تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذكر يعقوب بن سفيان حماد بن زيد فقال: معروف بأنه يقصر في الأسانيد ويوقف المرفوع كثير الشك بتوقيه، وكان جليلاً، لم يكن له كتاب يرجع إليه فكان أحياناً يذكر فيرفع الحديث وأحياناً يهاب الحديث ولا يرفعه. وبالغ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب فكان إذا سئل عن شيء لا يجيب حتى يرجع إلى الكتاب. قال أبو طاهر السلفي: سألت أبا الغنائم النرسي عن الخطيب فقال:" جيل لا يسأل عن مثله مارأينا مثله، وماسألته عن شيء فأجاب في الحال إلا يرجع إلى كتابه ".

وإذا سبق إلى نفس الانسان أمر ـ وإن كان ضعيفاً عنده ـ ثم اطلع على مايحتمل موافقة ذلك السابق ويحتمل خلافه فإنه يترجح في نفسه مايوافق السابق، وقد يقوى ذلك في النفس جداً وإن كان ضعيفاً. وهكذا إذا كانت نفس الانسان تهوى أمراً فاطلع على مايحتمل مايوافقه ومايخالفه فإن نفسه تميل إلى مايوافق هواها، والعقل كثيراً مايحتاج عند النظر في المحتملات والمتعارضات إلى إستفتاء النفس لمعرفة الراجح عندها، وربما يشتبه على الانسان ماتقضى به نفسه بما يقضي به عقله، فالنفس بمنزلة المحامي عندما تميل إليه، ثم قد تكون هي الشاهد وهي الحاكم. والعالم إذا سخط على صاحبه فإنما يكون سخطه لأمر ينكره فيسبق إلى النفس ذاك الانكار وتهوى مايناسبه ثم تتبع مايشاكله وتميل عند الاحتمال والتعارض إلى مايوافقه، فلا يؤمن أن يقوى عند العالم جرح من هو ساخط عليه لأمر لولا السخط لعلم أنه لا يوجب الجرح، وأئمة الحديث متثبتون ولكنهم غير معصومين عن الخطأ وأهل العلم يمثلون لجرح الساخط بكلام النسائي في أحمد بن صالح، ولما ذكر ابن الصلاح ذلك في المقدمة عقبه بقوله:" قلت: النسائي إمام حجة في الجرح والتعديل، وإذا نسب مثله إلى مثل هذا كان وجهه أن عين السخط تبدي مساوئ لها في الباطن مخارج صحيحة تعمي عنها بحجاب السخط لا أن ذلك يقع من مثله تعمداً لقدح يعلم بطلانه ".

وهذا حق واضح إذ لو حمل على التعمد سقطت عدالة الجارح، والفر أنه ثابت العدالة.

هذا وكل مايخشى في الذم والجرح يخشى مثله في لاثناء والتعديل فقد يكون الرجل ضعيفاً في الرواية لكنه صالح في دينه كأبان بن أبي عياش، أو غيور على السنة كمؤمل بن إسماعيل، أو فقيه كمحمد بن أبي ليلى، فتجد أهل العلم ربما يثنون على الرجل من هؤلاء غير قاصدين الحكم له بالثقة في روايته.

وقد يرى العالم أن الناس بالغوا في الطعن فيبالغ هو في المدح كما يروى عن حماد بن سلمة أنه ذكر له طعن شعبة في أبان بن أبي عياش، فقال: أبان خير من شعبة. وقد يكون العالم واداً لصاحبه فيأتي فيه نحو ماتقدم فيأتي بكلمات الثناء التي لا يقصد بها الحكم ولا سيما عند الغضب كأن تسمع رجلاً يذم صديقك أو شيخك أو إمامك فإن الغب قد يدعوك إلى المبالغة في إطراء من ذمه، وكذلك يقابل كلمات التنفير بكلمات () الترغيب، وكذلك تجد الانسان إلى تعديل من يميل إليه ويحسن به الظن أسرع منه إلى تعديل غيره، واحتمال التّسَمُح () في الثناء أقرب من احتماله في الذم، فإن العالم يمنعه من التسمح في الذم الخوف على دينه لئلا يكون غيبة، والخوف على عره فإن من ذم الناس فقد دعاهم إلى ذمه.

ومن دعا الناس إلى ذمه ذموه بالحق وبالباطل

ومع هذا كله فالصواب في الجرح والتعديل هو الغالب، وإنما يحتاج إلى التثبت والتأمل فيمن جاء فيه تعديل وجرح، ولا يسوغ ترجيح التعديل مطلقاً بأن الجارح كان ساخطاً على المجروح، ولا ترجيح الجرح مطلقاً بأن المعدل كان صديقاً له، وإنما يستدل بالسخط والصداقة على قوة احتمال الخطأ إذا كان محتملاً، فأما إذا لزم من اطراح الجرح أو التعديل نسبة من صدر منه ذلك إلى افتراء الكذب أو تعمد الباطل أو الغلط الفاحش الذي يندر وقوع مثله من مثله فهذا يحتاج إلى بينة أخرى، لا يكفي فيه إثبات أنه كان ساخطاً أو محباً.

وفي (لسان الميزان) ج1 ص16:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير