تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومحن لفقدان مكتبته العامرة. ولست أبكي على حبسي وتعذيبي جسديا ونفسيا، وإنما أبكي على مكتبتي. لأن السجن هو المكان الطبيعي للرجل الحر في الأمة المستعبدة، والأمر عندي كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. وقال: ما يصنع أعدائي بي؟. أنا جنتي وبستاني في صدري، أين رحت فهي معي لا تفارقني. أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة).

وكان في حبسه يقول: (لو بذلت مثل هذه القلعة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمة)، أو قال: (ما جازيتهم على ما ساقوا إلي من الخير). والمحبوس من حبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه. انظر (الذيل على طبقات الحنابلة) (2/ 405) لتعلم كم بقي الشيخ في سجن القلعة. وانظر ما هَذَى به ابن بطوطة في حق شيخ الإسلام في (رحلته ص 112/ 113) مع الجواب عن تلك الفرية من كلام شيخ الإسلام نفسه وكلام أهل العلم وكم كذبوا على الشيخ، وبهتوه وَقَوّلُوهُ أشياء هو بريء منها، والأمر كما قال تلميذه ابن القيم:

فالبُهْتُ عندكم رخيصٌ سِعْرُهْ * حَثُّوا بلا كيل ولا ميزان

وبهتوا وكذبوا على تلميذه ابن القيم فسجن مع شيخه، ومرة وحده. قال ابن رجب في (الذيل على طبقات الحنابلة) (2/ 448): (وكان ابن القيم في مدة حبسه مشتغلاً بتلاوة القرآن بالتدبر والتفكر، ففُتح عليه من ذلك خيرٌ كثير، وحصل له جانب عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة، بسبب ذلك على الكلام في علوم أهل المعارف والدخول في غوامضهم، وتصانيفه ممتلئة بذلك). وهو القائل في (فوائده (449): (يا مخنث العزم أين أنت؟، والطريق تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورمي في النار الخليل، وأُضجع للذبح إِسماعيلُ، وبيع يوسفُ بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، ونشر بالمنشار زكرياء، وذبح السيد الحصورُ يحيي، وقاسى الضُّرَّ أيوب، وزاد على المقدار بكاءُ داودَ، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقرَ وأنواعَ الأذى محمد r تُزهى أنت باللهو واللعب؟).

ثم ذكر فيه أيضاً قوله: (سأل رجل الشافعي فقال: يا أبا عبد الله؛ أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى؟. فقال الشافعي: لا يمكن حتى يبتلى، فإن الله ابتلى نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً فلما صبروا مكنهم). إلى الله المشتكى. وصدق من قال:

ربما تجزع النفوس من الأمر * له فرجة كحل العقال

18 - (قواعد التفسير) تأليف: خالد عثمان السبت. دار ابن عفان للنشر والتوزيع. مصر. ط: الأولى، (1421هـ) وهو أجمع وأشمل كتاب في هذا الموضوع. وهو أصل مادة أرجوزتنا مع تقديمها المختصر. قرأته ودرَّسْتُه للطلبة بالسجن المركزي بالقنيطرة 7 رمضان (1425هـ) وقرأته مرة ثانية بزنزانتي الانفرادية بالسجن المحلي بتطوان (14صفر1427هـ)، وقمت بتجريد قواعده في كراسة، ثم بدأت إعادة نظمها وأعرضت عن النظم الأول سوى أبيات خمسة تركتها كما هي ... الخ لتذكرني بالمآسي التي رأيناها بالسجن المركزي بالقنيطرة. فالله المستعان. وهناك مراجع أخرى لا تطالها يدي الآن بالسجن المحلي. ولعلنا بعد إطلاق سراحنا –إن شاء الله - نعيد النظر فيها ونزيد مراجع لا تتوفر لدينا الآن. والله أرجو أن يتقبل هذا العمل المتواضع، وأن ينصر الإسلام والمسلمين، ويفك أسرى المظلومين، إنه على كل شيء قدير.

ومن وجد في هذه الأرجوزة خيراً ونفعاً فليحمد الله –ويدعو لنا بحسن الخاتمة – ومن وجد غير ذلك فليستغفر لنا وليرشدني إلى ذلك مأجورا ومشكوراً. (والعلم مفرَّق في الأمة) وأذكر نفسي في خاتمة هذه الجريدة المختصرة لكتب قواعد التفسير بقول القائل:

كم من كتاب قد تصفحتُه * وقلت في نفسيَ أصلحتُه

حتى إذا طالعته ثانيا * وجدت تصحيفا فصححته

مقدمة في كيفية الاستنباط وما يتصل به:

بِسْمِ الإلَهِ المُسْتَعَانِ الأَكْرَمِ * ذ ِي العَرْشِ وَالمُلْكِ الكَبِيرِ الأَعْظَمِ

حَمْداً لِرَبِّي بِامْتِنَانٍ قَدْ قَضَى * حُكْماً وَدِيناً قَيّماً ثُمَّ ارْتَضَى

أَتْمِمْ صَلاةً ثُمَّ سَلّمْ خَالِقِي * بَارِكْ عَلَى ذَاكَ النَّبِيِّ الصَّادِقِ

اعْلَمْ أَخِي يَا مَنْ تَعَانَى لِلطَلَبْ * لَلْعِلْمِ وَالْمَعْرُوفِ أَخْذاً بَالسَّبَبْ

وافَهَمْ فَلِلِتَّفْسَيرِ يَا ذاَ قَاعِدَهْ * تَفْضِي إِلَى دَرْكِ الْهُدَى وَالْفَائِدَهْ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير