أمّا الأوهامُ والأغلاطُ كالغلطِ في الاسم ِ أو النسبةِ، أو تأريخ ِ الولادةِ والوفاةِ، أو خطأهِ في اسم ِ كتابٍ، فهذا موجودٌ في كتابهِ، وقد تصدّى للكشفِ عنهُ وبيانهُ جملة ٌ من العلماءِ والباحثينَ، منهم: العلاّمة ُ المؤرخُ محمّدُ بنُ أحمدَ بن ِ دهمانَ – رحمهُ اللهُ تعالى – وقد نشرَ ما وجدهُ من أوهام ٍ وأغلاطٍ بعدَ تصحيحِها في مجلّةِ مُجمّع ِ اللغةِ العربيّةِ، ونشرَها كاملة ً الأستاذ ُ أحمدُ العلاونةِ في كتابهِ ذيل ِ الأعلام ِ ص 329 – 341، وأغلبُ هذه التصويباتِ كانَ قد أصلحها الزركليُّ في حياتهِ، ومنهم الأستاذ ُ محمّد بن عبد اللهِ الرشيد في كتابهِ: الإعلام ِ بتصحيح ِ كتابِ الأعلام ِ، وهو جهدٌ مشكورٌ منهُ، صحّحَ فيهِ بعضَ الأوهام ِ، على أنَّ أغلبَ ما ذكرهُ في كتابهِ من الأمور ِ اليسيرةِ، والتي لا تضرُّ غالباً، وقد وقعَ الرشيدُ نفسهُ في بعض ِ الملاحظاتِ، وصدرَ أخيراً عن المكتبِ الإسلاميِّ كتابٌ بعنوان ِ: نظراتٌ في كتابِ الأعلام ِ، للأستاذِ أحمد العلاونةِ، وقد قرأتُهُ ونظرتُ فيهِ، ووقفتُ على بعض ِ الملاحظاتِ.
وهذان ِ الكتابان ِ جيّدان ِ في بابهما، لولا ما فيهما من التهجّم ِ والتراشق ِ بالكلام ِ بين المُؤلّفين ِ، وهذا بلا شكٍّ مُصيبة ٌ كُبرى، أن تتحوّلَ كتبُ العلم ِ وأسفارُ المعرفةِ إلى ساحةٍ للتهكّم ِ والتطاول ِ والتنابذِ، وقذفِ التهم ِ جُزافاً، ومُحاولةِ تصفيةِ الحِساباتِ، فإن كانَ هناكَ تصفية ٌ ولا بدَّ من ذلكَ، فلْيكن مكانَ ذلكَ شيءٌ غيرُ الكتبِ والعلم ِ، فما أحرانا أن نصونَ العلم ِ والأسفار ِ عن الابتذال ِ بذكر ِ المثالبِ والمطاعن ِ.
هذا تلخيصٌ سريعٌ ومُجملٌ للمآخذِ على الكتابِ، كما ذكرها الباحثونَ، وهي مجموعة ٌ يسيرة ٌ إذا ما قُورنتْ بحجم ِ الكتابِ وسعةِ موادّهِ، والكمالُ للهِ سُبحانهُ وتعالى، فعلى الرّغم ِ من الجهدِ الكبير ِ المبذول ِ، مع العمر ِ المديدِ، والتفرّغ ِ التامِّ لذلكَ، إلا أنَّ اللهَ تعالى رمى الكتابَ بشيءٍ من النقص ِ والخلل ِ، ليُبرهنَ على ضعفِ الإنسان ِ وقلّةِ حيلتهِ، وأنّهُ لو أرادَ شيئاً فلا يُمكنهُ ذلكَ دونَ توفيق ِ اللهِ وفضلهِ.
وقد توقّفَ الزركليُّ في التراجم ِ إلى وفياتِ سنةِ 1396 هـ وهي سنة ُ وفاتهِ – رحمهُ اللهُ تعالى – وقد أتى في كتابهِ على أغلبِ التراجم ِ التي نُثرتْ وبُثّتْ في كُتبِ التأريخ ِ والرجال ِ، وفاتهُ نزرٌ يسيرٌ لم يقفْ عليهِ لعدم ِ وجودِ مصادر ِ الترجمةِ بين يديهِ، ومن أرادَ أن يستدركَ عليهِ فيما مضى فلنْ يجدَ مادّة ً كبيرة ً، أو فوتاً كثيراً، بل هو يسيرٌ ويسيرٌ جدّاً، وإنّما الشأنُ في إتمام ِ الإعلام ِ، وإلحاق ِ من توفّيَ بعدَ موتِ مؤلّفهِ، من عام ِ 1396 هـ إلى ما بعدهُ من السنواتِ.
وقد قامَ بهذا مجموعة ٌ من الباحثينَ، سأذكرُ كتبهم على وجهِ الاختصار ِ، مع بعض ِ النقدِ العاجل ِ بحسبِ قراءتي أو بحسبِ من وقفتُ لهُ على نقدٍ للكتابِ.
فمن تلكَ الكُتبِ كتابُ: تتمّةِ الأعلام ِ، من تأليفِ الباحثةِ الشهير ِ: محمّد خير رمضان يوسف، وقد نشرَ كتابهُ في ثلاثةِ أجزاءٍ، طُبعتْ في دار ِ ابن ِ حزم ٍ، وقد جمعَ فيهِ ما أمكنهُ الوقوفُ عليهِ من الوفياتِ إلى سنةِ 1416 هـ، ومؤلّفُ الكتابُ رجلٌ معروفٌ بالجلدِ في البحثِ والتأليفِ، وتحقيقاتهُ عالية ُ الكعبِ، إلا أنّهُ في كتابهِ هذا لم يكنْ موفّقاً، فالكتابُ أشبهُ بكتبِ المُطالعةِ من كتبِ التأريخ ِ، ومنهجهُ مُخالفٌ تماماً لمنهج ِ الزركليِّ، فقد جمعَ فيهِ المؤلّفُ ما يمكنهُ جمعهُ من التراجم ِ، دونَ تحرير ٍ أو تنقيح ٍ، وترجمَ فيهِ لكلِّ من وقعتْ عينهُ عليهِ من الوفياتِ في الجرائدِ أو المجلاّتِ، حتّى لو كانَ أولئكَ من غير ِ المعروفينَ، فلو أنّهُ جعلَ كتابهُ كتاباً مُستقلاً لكانَ أولى بهِ من أن يجعلهُ ذيلاً أو تتمّة ً على الأعلام ِ، مع مُخالفتهِ لهُ في المضمون ِ والمنهج ِ.
ومنها كتابُ: ذيل ِ الأعلام ِ، من تأليفِ الأستاذِ: أحمدَ العلاونةِ، ويقعُ في جزأين ِ اثنين ِ ومطبوعٌ في دار ِ المنارةِ بجدّة َ، جمعَ فيهِ الوفياتِ من سنةِ وفاةِ الزركليِّ إلى سنةِ 1421 هـ وهو بهذا أوعبُ ممّا سبقهُ، وهو جيّدٌ في بابهِ، أجودُ من كتابِ الأستاذِ: محمد خير يوسف، وفيه أغلاطٌ وأوهامٌ يسيرة ٌ، ويقعُ في جزأين ِ، وقد لحقهُ نقدٌ تصحيحٌ ونقدٌ من العلاّمةِ: محمودِ بن ِ محمّدٍ الطناحيِّ، وهو موجودٌ بتمامهِ في مقالاتهِ 2/ 591 وعنوانُ المقالةِ: ذيلُ الأعلام ِ ومُغالبة ُ الهوى، وكذلكَ قامَ الأستاذ ُ: محمد بن عبد اللهِ الرشيد بنقدهِ في عدّةِ مقالاتٍ نُشرتْ تِباعاً في جريدةِ الجزيرةِ.
ومنها كتابُ: إتمام ِ الأعلام ِ، من تأليفِ الدكتور ِ: نزار أباظة والشيخ ِ مُحمد رياض المالح ِ، ويقعُ في مجلّدٍ واحدٍ من مطبوعاتِ دار ِ صادر ٍ، وهذا الكتابُ من أشبهِ الكتبةِ الثلاثةِ بمنهج ِ الزركليِّ شكلاً، أبعدها عنهُ جودة ً، فهو كتابٌ مشوّشُ الترتيبِ جدّاً، قليلُ الصور ِ، كثيرُ الأخطاءِ، وفيهِ قرمطة ٌ عجيبة ٌ لبعض ِ الشخصيّاتِ الكبيرةِ، كما في ترجمةِ العلاّمةِ محمود شاكر.
هذا خلاصة ُ الكلام ِ في كتابِ الأعلام ِ للزركليِّ – رحمهُ اللهُ تعالى – وقد بلغَ فيهِ الغاية َ ورُزقَ بهِ السعادة َ والخلودَ، وللهِ درُّ التاج ِ السُبكيِّ إذ يقولُ: " وهكذا رأينا من لزمَ باباً من بابِ الخير ِ فُتحَ عليهِ غالباً منهُ " – طبقاتُ الشافعيّةِ 1/ 65 - ، والزركليُّ أحدُ هؤلاءِ الذين فرّغوا حياتهم وعمرهم لهدفٍ واحدٍ، فجاءَ ثمرة ُ ذلكَ عملاً مُتقناً مُسدّداً، وحتّى هذه الثغراتُ التي فيهِ، أو الهفواتُ التي بدرتْ منهُ، وتلكَ الأوهامُ التي وقعَ فيها، لا تؤثّرُ في جودةِ الكِتابِ، أو تغُضُّ من قدرهِ، وحسبُ الزركليِّ نِجاحاً أن عُدتْ عيوبهُ وجُمعتْ، وكفاهُ ذلك نُبلاً ونجاحاً.
دمتم بخير ٍ.
أخوكم: فتى.