تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن وسائل إدراك اليقين المتواترات: كعلمنا بوجود مكة والمدينة، فإن العلم بوجودهما علم يقيني، وكذلك بعثة النبي العلم بها علم يقيني، لما ورد فيها من تواتر الأخبار وحملة الآثار، وقد اتفق علماء الحديث على أن الأحاديث المتواترة تدل على اليقين وهي التي رواها جمع يستحيل اتفاقهم على الكذب عن جمع آخر يستحيل اتفاقهم على الكذب إلي نهاية الإسناد إلي رسول الله صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ.

ومن وسائل إدراك اليقين أيضا التجريبيات، وقد يعبر عنها باطراد العادات، وذلك مثل حكمك بأن النار محرقة وأن الشمس مشرقة، وأن الماء ينزل من السماء فيحي الأرض بعد موتها، فهي سنن وعادات وتجربة وممارسات، ولذلك حذرنا الله من العصيان، بما حدث لأعدائه في سالف الزمان، كان مصيرهم الخسف والمسخ والصيحة والنبران فقال تعالى: (قَدْ خَلتْ مِنْ قَبْلكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ) وقال: (قُل للذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لهُمْ مَا قَدْ سَلفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلينَ) (فَهَل يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأَوَّلينَ فَلنْ تَجِدَ لسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلا وَلنْ تَجِدَ لسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلا)، وفي الحديث (لا يُلدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ) وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أن رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال: (إِنَّ الصِّدْقَ بِرٌّ وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلي الجَنَّةِ وَإِنَّ العَبْدَ ليَتحرىالصِّدْقَ حتى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الكَذِبَ فُجُورٌ وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلي النَّارِ وَإِنَّ العَبْدَ ليَتحرىالكَذِبَ حتى يُكْتَبَ كَذَّابًا).

فهذه مدارك اليقين، جعلها الله علامات تدل عليه وترشد إليه، فأين اليقين بالله يا عباد الله، ذم مولانا الدنيا فمدحناها، وأبغضها فأحببناها، وزهدنا فيها فآثرناها، وعدنا خرابها فحصناها، ونهانا عن طلبها فطلبنها، وأنذرنا كنزها فكنزناها، دعتنا هذه الدنيا الغرورة فأجبناها، تمرغنا في زهوتها وتمتعنا بلذتها وتنعمنا بشهوتها، نبشنا بمخالب الحرص عن خزائنها وحفرنا بمعاول الطمع في معادنها، بنينا بالغفلة في أماكنها، وتحصنا بالجهل في مساكنها، وعصينا الله في شريعته، فهل بعد ذلك يقوي أحد على طلب ولايته أو الطمع في جنته، أيها المتقون جنة الله يدخلها المؤمنون بطاعته، وولاية الله لا تدرك إلا بمحبته، ولن نصل إلي مرضاته إلا بتوحيده وعبوديته يا ربي لا قوة لنا فننتصر ولا براءة من ذنوبنا فنعتذر، فإن تعاقب فأهل للعقاب وإن تغفر فعفوك مأمول ومنتظر، إن العظيم إذا لم يعف مقتدرا عن العباد فمن يعفو ويقتدر.

علامات اليقين يا عبد الله أن تعظم الحق في عينيك، وأن يصغر ما دونه عندك، وأن يثبت الخوف والرجاء في قلبك، وروي عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه شيع جنازة فلما وضعت في لحدها، عج أهلها بالبكاء، فقال رضي الله عنه: ما تبكون، أما والله لو عاينوا ما عاين ميتهم، لأذهلتهم معاينتهم عن ميتهم، أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب لكم الأمثال، ووقت لكم الآجال، وجعل لكم أسماعا تعي معناها، وأبصارا تجلوا عن غشاها، وأفئدة تفهم ما دهاها، فإن الله لم يخلقكم عبثا ولم يضرب عنكم الذكر صفحا، بل أكرمكم بالنعمة السابغة، والحجة البالغة، وأحاط بكم الاحصاء، وأرصد لكم الجزاء في السراء والضراء، فاتقوا الله عباد الله وجدوا في الطلب، وإياكم ومقطع النهمات، وهادم اللذات، فإن الدنيا لا يدوم نعيمها ولا تؤمن فجائعها، غرور حائل وشبح زائل، وسند مائل، اتعظوا عباد الله بالعبر، واعتبروا بالآيات والأثر، وازدجروا بالنذر، وانتفعوا بالمواعظ، أتتكم مخالب المنية، وضمكم بيت التراب، ودهمتكم فظائع الأمور، بنفخة الصور، وبعثرة القبور، وسياقة المحشر وموقف الحساب، بإحاطة قدرة الجبار، كل نفس معها سائق يسوقها لمحشرها، وشاهد يشهد عليها بمخبرها، وأشرقت الأرض بنور ربها، ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء، وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون، هذا يوم التلاق يوم يكشف عن ساق، كسفت الشمس وحشرت الوحوش، وبدت الأسرار، وهلكت الأشرار، وارتجت الأفئدة فنزلت بأهل النار، تأجج جحيمها، وغلا حميمها، معهم ملائكة يبشرونهم بنزل من حميم وتصلية جحيم، عن الله محجوبون، ولأوليائه مفارقون، وإلي النار منطلقون، عباد الله اتقوا الله تقية من قنع فخنع، ووجل فرحل، وحذر فابصر فازدجر، فاحتث طلبا، ونجا هربا، وقدم للمعاد، واستظهر بالزاد، وكفي بالله منتقما وبصيرا، وكفي بالكتاب خصما وحجيجا وكفي بالجنة ثوابا، وكفي بالنار وبالا وعقابا، وأستغفر الله لي ولكم.

فهذا شأن اليقين ورأس مال الدين وبعض علامات الموقنين، وهذا هو الشرط الثاني من شروط لا إله إلا الله، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أن أستغفرك وأتوب إليك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير