تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وموضوعنا اليوم عن الإخلاص كشرط من شروط لا إله إلا الله، فالإخلاص معناه تصفية الشيء وتنقيته من الشوائب، فالخالص هو ما زالت عنه الشوائب بعد أن كانت فيه، قال تعالى: (وَإِنَّ لكُمْ فِي الأنْعَامِ لعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لبَنًا خَالصًا سَائِغًا للشَّارِبِينَ) (النحل:66) فاللبن كان مختلطا في الأحشاء بالطعام والدماء، فجعله الحق بقدرته غاية في الصفاء والنقاء، فالخالص في الشيء هو النقي الصافي.

والإخلاص الذي هو شرط من شروط لا إله إلا الله يتمثل في توحيد الحق ونبذ الشرك، فالمسلم الحق يتصف بالإخلاص، لأنه أفرد الله بعبادته، ولم يشرك به شيئا في محبته، أو خوفه ورجائه ودعوته كما قال سبحانه وتعالي: (وَمَا أُمِرُوا إِلا ليَعْبُدُوا اللهَ مُخْلصِينَ لهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلكَ دِينُ القَيِّمَةِ) (البينة: 5) أكثر العلماء على أن الحنيف هو المخلص الذي يعبد الله وحده، فالحنيفية دين إبراهيم وهو دين التوحيد والإخلاص لله وحده، وقد كان المشركون في الجاهلية يعلمون حقيقة الإخلاص والتوحيد، وعلى الرغم من ذلك يصرون على الشرك في الدعاء عند النعمة والرخاء، لكنهم يوحدون إله السماء عند الشدائد وحدوث البلاء، وقليل منهم من دان بالإخلاص وتحرىالخلاص من الشرك قال تعالى عن هؤلاء: (وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي البَحْرِ ضَل مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلمَّا نَجَّاكُمْ إِلي البَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا) (الإسراء:69:67).

كان الكافرون في الجاهلية يشركون بالله في الرخاء والنعمة، لكنهم يخلصون له عند الشدائد والنقمة، روي النسائي في سننه وصححه الشيخ الألباني من حديث مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ: (أن رسول الله يَوْم فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ النَّاسَ إِلا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَقَال: اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُموهُمْ مُتَعَلقِينَ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ، فكان منهم عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْل، بعد أن علم أن النبي ? أباح دمه ركب عكرمة البَحْرَ فَأَصَابَتْهُمْ عاصفة شديدة أيقنوا أنها ستغرق سفينتهم -? فَقَال: أَصْحَابُ السَّفِينَةِ أَخْلصُوا - أي وحدوا ربكم في الدعاء والاستغاثة وقد كانوا يلجأون في الرخاء إلي اللات والعزي ومناة الثالثة الأخرى وعند الشدائد يوحدون -? فَقَال: أَصْحَابُ السَّفِينَةِ أَخْلصُوا فَإِنَّ آلهَتَكُمْ لا تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا هَاهُنَا فَقَال عِكْرِمَةُ: وَاللهِ لئِنْ لمْ يُنَجِّنِي مِنَ البَحْرِ إِلا الإِخْلاصُ لا يُنَجِّينِي فِي البَرِّ غَيْرُهُ فعاد عكرمة إلي عقله وفطرته، وقال معلنا للتوحيد عند نجاته وعودته - اللهُمَّ إِنَّ لكَ على عَهْدًا إِنْ أَنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِيَ مُحَمَّدًا صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ حتى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ فَلأجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا - وبالفعل وفي بوعده - جَاءَ فَأَسْلمَ ومات عكرمة بفضل الله على الإخلاص والتوحيد بعد أن كان من أسوا العبيد عداء لرسول الله ?.

• واعلموا عباد الله أن الإخلاص الذي ينافي الشرك يقوم في كتاب الله وسنة رسوله ? على ركنين اثنين:

(1) - الركن الأول: توحيد العبادة لله،فالمخلص لا يشبه غير الله بالله، لأن أصل الشرك تشبيه المخلوق بالخالق والمملوك بالمالك، فيعظمه كتعظيم الله، ويحبه كمحبة الله، كما قال جل في علاه: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهمْ كَحُبِّ اللهِ وَالذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ وَلوْ يَرَي الذِينَ ظَلمُوا إِذْ يَرَوْنَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ للهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ العَذَابِ)، ولما عذبوا في جهنم قالوا: (وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللهِ إِنْ كُنَّا لفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ العَالمِينَ) فسوا بين الله وبين آلهتهم في المحبة التعظيم، وخضعوا للأولياء في أضرحتهم كخضوعهم للعلى العظيم، كل ذلك بزعمهم رهبة وخوفا من غضبهم، إذ يوحون إلي أتباعهم، أن أي شخص لم يقدم النذر في موعده، أو لم يأت طنطا إلي البدوي في مولده، حلت عليه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير