تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلفُونَ لكُمْ لتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرضي عَنْ القَوْمِ الفَاسِقِينَ).

فعليك بالصدق ولو أنه أحرقك بنار الوعيد - وابغ رضا المولي فأغبى الورى من أسخط المولي وأرضي العبيد

الصدق عز فلا تعدل عن الصدق: واحذر من الكذب المذموم في الخلق

من لازم الصدق هابته الورى وعلا: فالزمه دأبا تفز بالعز والسبق.

دع الكذب حيث تري أنه ينفعك فإنه يضرك، وعليك بالصدق حيث تري أنه يضرك فإنه ينفعك، روي أبو داود وحسنه الشيخ الألباني أن أم عبد الله بن عامر قالت لولدها: تعالى أعطيك، تعني أعطيك حلوي، فَقَال لهَا رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ قَالتْ أُعْطِيهِ تَمْرًا فَقَال لهَا رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أَمَا إِنَّكِ لوْ لمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَليْكِ كِذْبَةٌ.

ومن علامات الصدق الخوف من الله والزهد في الحياة، فالصادق في يقينه يخاف أن يأكل من حرام ويتحمل الفقر والمشقة ليحيا في سلام، وإن أتي ذنبا فإنه لا ينام، حتى يرجع إلي ربه، حتى يتوب من ذنبه، قال ابن جرير الطبري: رأيت رجلا من خراسان ينادي ويقول: يا معشر الحجاج يا أهل مكة من الحاضر والباد، فقدت كيسا فيه ألف دينار فمن رده إلي جزاه الله خيرا وأعتقه من النار، وله الأجر والثواب يوم الحساب.

فقام إليه شيخ كبير من أهل مكة فقال له: يا خراساني بلدنا حالتها شديدة، وأيام الحج معدودة، ومواسمه محدودة، وأبواب الكسب مسدودة، فلعل هذا المال يقع في يد مؤمن فقير وشيخ كبير، يطمع في عهد عليك، لو رد المال إليك، تمنحه شيئا شيئا يسيرا، ومالا حلالا.

قال الخراساني: فما مقدار حلوانه؟ كم يريد، قال الشيخ الكبير: يريد العشر مائة دينار عشر الألف، فلم يرض الخرساني وقال: لا أفعل ولكني أفوض أمره إلي الله، ونشكوه إليه يوم نلقاه، وهو حسبنا ونعم الوكيل، قال ابن جرير الطبري، فوقع في نفسي أن الشيخ الكبير رجل فقير، قد وجد كيس الدنانير ويطمع في جزء يسير، فتبعته حتى عاد إلي منزله، فكان كما ظننت، سمعته ينادي على امرأته ويقول: يا لبابة، فقالت له: لبيك أبا غياث.

قال: وجدت صاحب الدنانير ينادي عليه، ولا يريد أن يجعل لواجده شيئا، فقلت له: أعطنا منه مائة دينار، فأبي وفوض أمره إلي الله، ماذا أفعل يا لبابة؟ لا بد لي من رده، إني أخاف من ربي، وأخاف أن يضاعف ذنبي.

فقالت له زوجته: يا رجل نحن نقاسي الفقر معك منذ خمسين سنة، ولك أربع بنات وأختان وأنا وأمي، وأنت تاسعنا، لا شاة لنا ولا مرعي، خذ المال كله، أشبعنا منه فإننا جوعي وأكسنا به فأنت بحالنا أوعي، ولعل الله عز وجل يغنيك بعد ذلك، فتعطيه المال بعد إطعامك لعيالك، أو يقضي الله دينك يوم يكون الملك للمالك.

فقال لها يا لبابة: أآكل حراما بعد ست وثمانين سنة بلغها عمري، وأحرق أحشائي بالنار بعد أن صبرت على فقري، وأستوجب غضب الجبار وأنا قريب من قبري، لا والله لا أفعل.

قال ابن جرير الطبري: فانصرفت وأنا في عجب من أمره هو وزوجته، فلما أصبحنا في ساعة من ساعات من النهار، سمعت صاحب الدنانير يقول: يا أهل مكة، يا معاشر الحجاج يا وفد الله من الحاضر والبادي، من وجد كيسا فيه ألف دينار فليرده لي وله الأجر والثواب عند الله.

فقام إليه الشيخ الكبير: وقال يا خراساني قد قلت لك بالأمس ونصحتك، وبلدنا والله قليلة الزرع والضرع، فجد على من وجد المال بشيء حتى لا يخالف الشرع، وقد قلت لك أن تدفع لمن وجده مائة دينار فأبيت، فإن وقع مالك في يد رجل يخاف الله عز وجل، فهلا أعطيتهم عشرة دنانير فقط بدلا من مائة، يكون لهم فها ستر وصيانة وكفاف وأمانة، فقال له الخراساني: لا نفعل، ولكن نحتسب مالنا عند الله، ونشكوه إليه يوم نلقاه وهو حسبنا ونعم الوكيل، ثم افترق الناس وذهبوا، قال ابن جرير الطبري: فلما أصبحنا في ساعة من ساعات من النهار، سمعت صاحب الدنانير ينادي ذلك النداء بعينه ويقول: يا معاشر الحجاج، يا وفد الله من الحاضر والبادي، من وجد كيسا فيه ألف دينار فرده على له الأجر والثواب عند الله.

فقام إليه الشيخ الكبير: فقال له يا خراساني قلت لك أول أمس امنح من وجده مائة دينار فأبيت ثم عشرة فأبيت فهلا منحت من وجده دينارا واحدا، يشتري بنصفه إربة يطلبها، وبالنصف الأخر شاة يحلبها، فيسقي الناس ويكتسب، ويطعم أولاده ويحتسب، قال الخرساني: لا نفعل ولكن نحيله على الله ونشكوه لربه يوم نلقاه، وحسبنا الله ونعم الوكيل فجذبه الشيخ الكبير، وقال له: تعال يا هذا وخذ دنانيرك ودعني أنام الليل، فلم يهنأ لي بال منذ أن وجدت هذا المال.

يقول ابن جرير: فذهب مع صاحب الدنانير وتبعتهما حتى دخل الشيخ منزله فنبش الأرض وأخرج الدنانير وقال خذ مالك، وأسأل الله أن يعفو عني ويرزقني من فضله، فأخذها الخرساني وأراد الخروج، فلما بلغ باب الدار قال: يا شيخ مات أبي رحمه الله وترك لي ثلاثة آلاف دينار، وقال لي: أخرج ثلثها ففرقه على أحق الناس عندك، فربطتها في هذا الكيس حتى أنفقه على من يستحق، وما رأيت منذ خرجت من خراسان إلي ها هنا رجلا أولي بها منك، فخذه بارك الله لك فيه، وجزاك خيرا على أمانتك وصبرك على فقرك، ثم ذهب وترك المال، فقام الشيخ الكبير يبكي ويدعو الله ويقول: رحم الله صاحب المال في قبره وبارك الله في ولده، وأجزل مثوبتهم عنده.، فهذا الرجل ابتلاه الله في إيمانه فصدق فيه فأكرمه الله وأعطاه ونعمه هداه، (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلقَدْ فَتَنَّا الذِينَ مِنْ قَبْلهِمْ فَليَعْلمَنَّ اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَليَعْلمَنَّ الكَاذِبِينَ)، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أن أستغفرك وأتوب إليك وصلي الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وسائر أصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير