فإن قيل إن حديث عائشة صحيح من جهة النقل وهو أصح إسنادا من حديث القشيري وغيره وأصح من حديث بن عباس فالجواب أنا لا حاجة بنا إلى أصل الفرض إلا من طريق القصر ولا وجه لقول من قال إن حديث عائشة يعارضه قول الله تعالى وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلواة النساء 101 وقد أجمع العلماء أنه لا يكون القصر من ركعتين في شيء من السفر في الأمن لأن حديث عائشة قد أوضح أن الصلاة زيد فيها في الحضر
ومعلوم أن الفرض فيها كان بمكة والزيادة كانت بالمدينة وأن سورة النساء متأخرة فلم يكن القصر مباحا إلا بعد تمام الفرض وذلك يعود إلى معنى واحد في أن القصر إنما ورد بعد تمام الصلاة أربعا ولا حاجة إلى أصل الفرض اليوم لأن الإجماع منعقد بأن صلاة الحضر تامة غير مقصورة وبالله التوفيق
وقد أوضحنا هذا المعنى في حديث مالك عن صالح بن كيسان في باب قصر
الاستذكار ج:1 ص:18
الصلاة من هذا الكتاب (2) والحمد لله
وقد مضى في ((التمهيد)) أيضا اختلافهم فيما كان النبي يستقبل في صلاته وهو بمكة وذلك على قولين عن السلف مرويين
أحدهما أنه كان يستقبل بمكة الكعبة لصلاته على ما كانت عليه صلاة إبراهيم وإسماعيل فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ثم وجهه الله إلى الكعبة
وهذا أصح القولين عندي لما حدثناه سعيد بن نصر وأحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالوا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا عبد الله بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال كان أول ما نسخ الله من القرآن القبلة وذلك أن النبي - عليه السلام - لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله بضعة عشر شهرا وكان عليه السلام - يحب قبلة إبراهيم وكان يدعو الله وينظر إليها فأنزل الله قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها إلى قوله فولوا وجوهكم شطره البقرة 144 يعني نحوه فارتاب من ذلك اليهود وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله تعالى قل لله المشرق والمغرب البقرة 142 وقال فأينما تولوا فثم وجه الله البقرة 115 وقال تعالى وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه (2) البقرة 143
قال بن عباس ليميز أهل اليقين من أهل الشك والريبة
وقال تعالى وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله البقرة 143 يعني تحويلها على أهل الشك لا على الخاشعين يعني المصدقين بما أنزل الله
وحدثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن سليمان
الاستذكار ج:1 ص:19
الحداد ببغداد قال حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله عز وجل وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم البقرة 144 يعلمون أن الكعبة المسجد الحرام كانت قبلة إبراهيم والأنبياء عليهم السلام ولكنهم تركوها عمدا
وقوله وإن فريقا منهم ليكتمون الحق البقرة 146 يكتمون صفة محمد عليه السلام ويكتمون أن الكعبة البيت الحرام
ثم قال لنبيه عليه السلام فلا تكونن من الممترين البقرة 147 يقول لا تكن في شك يا محمد أن الكعبة قبلتك وكانت قبلة الأنبياء قبلك
وبهذا الإسناد عن أبي العالية أن موسى عليه السلام كان يصلي عند الصخرة ويستقبل البيت الحرام وكانت الكعبة قبلته وكانت الصخرة بين يديه فقال اليهود بي بيننا وبينك مسجد صالح النبي عليه السلام
فقال له أبو العالية فإني صليت في مسجد صالح وقبلته الكعبة
قال الربيع وأخبرني أبو العالية أنه رأى مسجد ذي القرنين وقبلته الكعبة
ولم يختلفوا في أنه استقبل في حين قدومه المدينة بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا
وقد ذكرنا اختلافهم في تاريخ صرف القبلة هناك أيضا ويأتي ذلك مجودا في موضعه في هذا الكتاب عند قول سعيد بن المسيب وصرفت القبلة قبل بدر بشهرين (1 إن شاء الله
¥