ومال إلى ذلك بعض أصحاب مالك وقال به أهل الظاهر وخالفهم جمهور العلماء ونزعوا بأشياء قد ذكرتها في ((التمهيد)) وعمدتها أن المبادر إلى أداء فرضه في أول الوقت - أفضل من المتأني به وطالب الرخصة في السعة فيه بدليل قوله عز وجل فاستبقوا الخيرات البقرة 148 وقوله سابقوا إلى مغفرة من ربكم الحديد 31
وقال عليه السلام - ((أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله)) (2)
وقال - عليه السلام أفضل الأعمال ((الصلاة لأول وقتها)) (3)
وقد ذكرنا الحديث في ((التمهيد))
واختلف الفقهاء في الأفضل من صلاة الصبح فذهب الكوفيون وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وأكثر العراقيين إلى أن الإسفار بها أفضل من التغليس في الأزمنة كلها الشتاء والصيف
واحتجوا بحديث رافع بن خديج عن النبي عليه السلام ((أسفروا بالصبح فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر
الاستذكار ج:1 ص:36
وقد ذكرنا هذا الحديث وبينا علته على مذهب من علله في ((التمهيد))
وذكروا عن علي وبن مسعود أنهما كانا يسفران بالصبح جدا
وكان مالك والليث بن سعد والأوزاعي والشافعي يذهبون إلى أن التغليس بصلاة الصبح أفضل وهو قول أحمد بن حنبل وأبي ثور وداود بن علي وأبي جعفر الطبري
ومن حجتهم حديث عائشة ((أن رسول الله - عليه السلام - كان يصلي فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس)) (1)
وذكروا عن أبي بكر وعمر أنهما كانا يغلسان وأنه لما قتل عمر أسفر بها عثمان
ولم يختلف المسلمون في فضل البدار إلى المغرب وكذلك سائر الصلوات في القياس عند تعارض الآثار
وقد أوضحنا معنى الإسفار في قوله أسفروا بالفجر في ((التمهيد)) واختصار ذلك أن الإسفار التبين والتبين بالفجر إذا انكشف واتضح ليلا يصلي في مثله من دخول الوقت ومن ذلك قول العرب أسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفت عنه
1 (حديث ثالث)
4 - مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي أنها قالت إن كان رسول الله ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات (2) بمروطهن (3) ما يعرفن (4) من الغلس
الاستذكار ج:1 ص:37
وروى يحيى بن يحيى ((متلففات)) بالفاء وتابعة طائفة من رواة الموطإ وأكثر الرواة على ((متلفعات)) بالعين والمعنى واحد والمروط أكسية الصوف وقد قيل المرط كساء صوف سداه شعر
وفي هذا الحديث التغليس بصلاة الصبح وهو الأفضل عندنا لأنها كانت صلاة رسول الله وأبي بكر وعمر ولفظ حديث عائشة هذا يدل على أنه كان الأغلب من فعله والذي كان يداوم عليه لقولها كان رسول الله يصلي الصبح في وقت كذا أو على صفة كذا يدل على أن ذلك فعله دهره أو اكثر دهره والله أعلم
وإلى التغليس بها ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وعامة فقهاء الحجاز وهو الأفضل عندهم وبه قال داود
وذهب الكوفيون إلى الإسفار بها على ما قدمنا ذكره عنهم وهو أفضل عندهم من قول طاوس وإبراهيم وجماعة
وقال الطحاوي إنما تتفق معاني آثار هذا الباب بأن يكون دخوله عليه السلام - مغلسا ثم يطيل القراءة حتى ينصرف عنها مسفرا
وهذا خلاف قول عائشة لأنها حكت أن انصراف النساء كان وهن لا يعرفن من الغلس
ولو قرأ - عليه السلام - بالسور الطوال ما انصرف الناس إلا وهم قد أسفروا بل دخلوا في الإسفار جدا
ألا ترى إلى أبي بكر حين قرأ بالبقرة في ركعتي صلاة الصبح فانصرف فقيل له كادت الشمس أن تطلع فقال لو طلعت لما وجدتنا غافلين
ورواه بن عيينة وغيره عن بن شهاب عن أنس أنه صلى خلف أبي بكر فذكره
وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء أي حين أحب إليك أن أصلي الصبح إماما وخلوا قال حين ينفجر الفجر الآخر ثم تطول القراءة والركوع والسجود حتى تنصرف منها وقد تبلج النهار وتتام الناس (1)
ولقد بلغني أن عمر بن الخطاب كان يصليها حين ينفجر الفجر الآخر وكان يقرأ في إحدى الركعتين بسورة يوسف
وأما قول عطاء الفجر الآخر فهو مأخوذ - والله أعلم - من حديث مرسل ذكره بن وهب عن بن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد
الاستذكار ج:1 ص:38
الرحمن بن ثوبان أن رسول الله - عليه السلام - قال هما فجران فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئا ولا يحرم وأما المستطير (1) الذي يأخذ الأفق فبه تحل الصلاة ويحرم الطعام على الصائم
¥