ولا وجه لادعائهم على رسول الله أنه إنما أخر الصلاة يوم نومه عن الصبح من أجل انتباهه عند طلوع الشمس لأنه قد ثبت أنهم لم يستيقظوا يومئذ حتى أيقظهم حر الشمس ولا تكون لها حرارة إلا والصلاة تجوز ذلك الوقت
وقد ذكرنا الخبر بذلك في ((التمهيد)) والحمد لله
الاستذكار ج:1 ص:47
1 (حديث خامس)
6 - مالك عن نافع مولى عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها (1) وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها (2) فهو لما سواها أضيع ثم كتب أن صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعا (3) إلى أن يكون ظل أحدكم مثله والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية (4) قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة قبل غروب الشمس والمغرب إذا غربت الشمس والعشاء إذا غاب الشفق (5) إلى ثلث الليل فمن نام فلا نامت عينه (6) فمن نام فلا نامت عينه فمن نام فلا نامت عينه والصبح والنجوم بادية (7) مشتبكة (8)
هكذا روى مالك عن نافع أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله
ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله فذكر مثله بمعناه وفي حديث غير هذا ما كان عليه من الاهتبال (9) بأمور المسلمين إذ ولاه الله أمرهم
وإنما خاطب العمال لأن الناس تبع لهم كما جاء في المثل ((الناس على دين الملك))
وروي عن النبي - عليه السلام - أنه قال ((صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس هم الأمراء والعلماء))
ومن استرعاه الله رعية لزمه أن يحوطها بالنصيحة ولا نصيحة تقدم على
الاستذكار ج:1 ص:48
النصيحة في الدين لمن لا صلاة له ولا دين لمن لا صلاة له
روي عن النبي - عليه السلام - أنه قال ((من استرعاه الله رعية فلم يحطها بالنصيحة لم يرح رائحة الجنة)) (1)
وكان عمر لرعيته كالأب الحدب لأنه كان يعلم أن كل راع مسؤول عن رعيته وأما قوله حفظها - فحفظها علم ما لا تتم إلا به من وضوئها وسائر أحكامها
وأما قوله ((وحافظ عليها)) فتحتمل المحافظة على أوقاتها والمسابقة إليها
والمحافظة إنما تكون على ما أمر به العبد من أداء فريضة ولا تكون إلا في ذلك أو في معناه من فعل ما أمر به العبد أو ترك ما نهي عنه
ومن هنا لا يصلح أن تكون المحافظة من صفات الباري ولا يجوز أن يقال محافظ ومن صفاته حفيظ وحافظ جل وتعالى علوا كبيرا
وأما قوله ((أن صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعا)) فإنه أراد فيء الإنسان أن يكون ذراعا زائدا على القدر الذي تزول عليه الشمس صيفا وشتاء وذلك ربع قامة
ولو كان القائم ذراعا لكان مراد عمر من ذلك ربع ذراع ومعناه - على ما قدمناه - لمساجد الجماعات لنا يلحق الناس من الاشتغال ولاختلاف أحوالهم فمنهم الخفيف والثقيل في حركاته
وقد مضى في حديث بن شهاب في أول الكتاب من معاني الأوقات ما يغني عن القول ها هنا في شيء منها
ودخول الشمس صفرة معلومة في الأرض تستغني عن التفسير
والفرسخ ثلاثة أميال واختلف في الميل وأصح ما قيل فيه ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع
وهذا كله من عمر على التقريب وليس في شيء من ذلك تحديد ولكنه يدل على سعة الوقت وما قدمنا في الأوقات يغني والحمد لله
وأما قوله ((وآخر العشاء ما لم تنم)) فكلام ليس على ظاهره ومعناه النهي عن النوم قبلها لأنه قد ثبت النهي عن النوم قبلها واشتهر عند العلماء شهرة توجب القطع أن عمر لا يجهل ذلك
الاستذكار ج:1 ص:49
ومن تأول على عمر إباحة النوم قبل العشاء فقد جهل ويدلك على ذلك دعاؤه على من نام قبل أن يصلي العشاء وألا تنام عينه فكرر ذلك ثلاثا مؤكدا
وأما الصبح فقد قدمنا أنه كان من مذهبه ومذهب أبي بكر التغليس بالصبح ويشهد لذلك قوله ((والنجوم بادية مشتبكة)) وهذا على إيضاح الفجر لا على الشك فيه لإجماع المسلمين على أن من صلى وهو شاك في الفجر فلا صلاة له
وأما تأويل أصحابنا في حديث عمر هذا إلى عماله أنه أراد مساجد الجماعات فلحديث مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري ((أن صل الظهر إذا زاغت الشمس)) (1) فهذا على المنفرد لئلا يتضاد خبره أو يكون على الإعلام بأول الوقت ليعلم بذلك رعيته
وأهل العلم لا يرون النوم قبل العشاء ولا الحديث بعدها وقد رخص فيه قوم وسيأتي هذا المعنى مجودا في موضعه إن شاء الله
¥