تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في قوله بوحدة الوجود, ووجوب اعتقادها, وأنها محض الإيمان, ومن لم يؤمن بها ففي إيمانه خلل. هذه بائقة تستتبع بوائق ثلاثا:

فالبائقة الأم (1) وحدة الوجود, يليها (2) وجوب اعتقادها (3) أنها محض الإيمان (4) من لم يؤمن بها ففي إيمانه خلل عياذا بالله.

وقبل استعراض أقوال أبي البيض في هذا المجال, نقدم كلمة في معنى وحدة الوجود, وبعض أقوال أربابها, وأصلها, ونقتصر في الغالب على أقوال صوفية المغرب, وبلدنا على الخصوص, وقد سبق لي أن كتبت فصلا مهما في هذا الموضوع أودعته الجزء الثاني من موسوعتي (جراب السائح) , وهذا نصه تحت عنوان (فائدة مهمة):

يرى القارئ أن فلسفة ابن العربي الحاتمي في كتابيه (الفتوحات المكية) و (فصوص الحِكم) مبنية على وحدة الوجود وأن هذه الكلمة مع كلمتي (الاتحاد) و (الحلول) تشيع في كتب هذا القبيل من متصوفة الفلاسفة, وقد كثر الخوض فيها, والسؤال عن معانيها, واختلفت أقوال شارحيها, حتى أفردت بالتأليف, من عبد الغني النابلسي إلى البهاء العاملي وغيرهما, وقد انتهى المطاف بجمهورهم تهويلا وتعمية, إلى أنها لا تفهم بالعبارة, وإنما بالذوق, فأحالوا عباد الله على مجهول غير معين, كما ترى عند النابلسي في (بذل المجهود) والتيجاني في (جواهر المعاني) وأبي البيض في (جؤنة العطار) وأشار إليه أحمد ابن عجيبة في كتبه, وخصوصا (إيقاظ الهمم لشرح الحكم).وتفسيره (البحر المديد في تفسير القرآن المجيد).وأكده من المعاصرين أبو البيض أحمد بن الصديق كما أشرنا, والحق أن كلامهم تهويل, وينطوي على إرهاب فكري, يتمثل في تهديد من يحاول الرد عليهم, وتسفيه رأيهم الأجنبي عن الإسلام.

و لنبدأ بشرح هذه المصطلحات فنقول:

حصر ابن العربي في (الفتوحات) المعلومات في أربعة لا خامس لها:

1ـ الوجود المطلق, يعني أن وجود الله عين ذاته وليس معلولا لشيء.

2ـ الحقيقة الكلية, التي بمعرفتها يعرف سائر المعلومات كلها, فإن وُصِفت بها الموجود فهي القِدم غير المسبوق بالعدم. كوجود الله, وإن وصفت بها الحادث وهو الموجود بعد العدم فهي ما سوى الله.

3ـ العالم الأكبر كله ما عدا الإنسان.

4ـ الإنسان هو العالم الأصغر.

وأصول فكرة وحدة الوجود قديمة, تلقفها ابن العربي ومن قبله عن فلاسفة الهند, كما تراها عند أبي الريحان البيروني في كتابه (تحقيق ما للهند من مقولة , مقبولة في العقل أو مرذولة) , و مؤداه أن البراهمة الوثنيين في الهند, يعتقدون أن طريق التأمل و الاعتبار تجعلهم يقربون من الله, حتى أن الله بذاته يحضر في قلوبهم وضمائرهم, فتتوق النفس إلى الاتحاد به, فيحصل الاتحاد, وتذهب الإثنينية والبينية. و يستحيل الذاكر والمذكور شيئا واحدا. وقد أكد لي هذا المعنى الأخوان الدكتور محمد تقي الدين الهلالي، وأخوه محمد العربي العارفان بعقائد الهند وحضارتها. إلا أن ابن العربي انفرد بأسماء خاصة تعمية وتلبيسا , فسمى أصل العالم هباء , أخذا من كلمة تنسب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى في سورة الواقعة: (فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً) (الواقعة:6). بينما الفلاسفة القدامى يسمونها (الهَيُولَى) , ومنه تصدر جميع الصور والتعينات حسب استعدادها للتأثر بالنور الإلاهي, كالسراج في بيت تضيء زواياه حسب قربها من نوره, وكان أقرب الأشياء إلى نور الله في ذلك الهباء حقيقة محمد صلى الله عليه و آله و سلم المسماة بالحقيقة المحمدية، و العقل و النفس الكلية، فكان سيد العالم بأسره، و أول ظاهر في الوجود كما في الفتوحات، و أكمل مظاهر الحق في الخلق , لأن الخلق أكثر كامل للقدرة الكاملة المنزهة عن النقص, فلا يكون أكمل منه, كما قال تعالى: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه:50). و (خلق آدم على صورته) , والضمير عنده يعود على الله, اعتماداً على رواية ضعيفة, وليس في الإمكان أبدع مما كان ـ كما قال الغزالي ـ لأن العالم مظهر الحق على الكمال, وقد يتوهم الواقف على كلام ابن العربي أن فيه تناقضاً, وذلك ناشئ من سوء فهمه, وتعديد أساليبه في التعبير عن رأيه, لأنه يصرح أحيانا, ويجمجم أكثر لخطورة الحال, ولما رأى الأشاعرة يقولون أخذا من مذهب الإغريق: إن العالم واحد بعينه, مختلف بصُوَره ونِسَبه, وهم يرونه شيئا آخر غير الله تعالى, وهو يرى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير