تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و بالجملة فإن مفاهيم هذه العقائد الضالة بينة , تدرك بأدنى تأمل , و لاسيما من خالط القوم وقرأ كتبهم وأشعارهم , ومن تصفح كتابي: ابن العربي: الفتوحات المكية , و فصوص الحِكم , أدرك بما لا يدع مجالا للشك أن الرجل , أعني: أبا البيض غال وغارق إلى ذقنه في وحل هذا البلاء الماحق , وأنه أفنى عمره في (أن لا موجود إلا الله) تعالى , وأن جميع الممكنات مظاهر له , يتجلى فيها جميعِها , لا في بعضها دون بعض , فهي ليست إلا مظاهر للحق الظاهر فيها , ولولاه لكانت عدما , ولقد أكثر ابن العربي في الاحتجاج بآيات قرآنية , وأحاديث نبوية كثير منها لا أصل له , وإن زعم أنها صحيحة من طريق الكشف , يتصدى لتفسيرها تفسيرا باطنيا يبرأ منه الله و رسوله واللغة العربية , و لا يكترث بلي أعناق الآيات وبترها عن سياقها , ليتم له الاستدلال الآثم، ويطول بنا القول لو أردنا الإتيان بأمثلة.

و قد ترسم خُطى ابن العربي , ولكن مع ضَلََع ظاهر , وسخف بارد , شقيق أبي البيض: أبو العسر جمال الطين في كتاب له مخطوط سماه (السوانح) , قرأته متعوذا بالله من ضلالاته , وكتبت على هوامشه تعليقات سميتها: "تحصين الجوانح من سموم السوانح" كما أشرنا.

و المقصود بيان ما ينطوي عليه هذا المذهب العريق في الضلال والسوء , من مخاطر وآثار تنعكس على قلب المرء وسلوكه , فلا يحرم حراما , و لا يرعوي عن ذنب , لأنه يعتبر نفسه مَظهراً إلاهيا في الوجود كما قال الششتري:

أنا بالله أنطقْ * ومن الله أسمعْ

وقد سمعت أحد غلاتهم بتطوان، و كان ممن يعرف الفتوحات , و يستحضر كثيرا مما فيها , يقول عن الصلاة ـ وقد كان لا يوقعها إلا على مرأى من الفقراء في الزاوية الحراقية ودون وضوء ـ ولما سألته عن هذا قال بالدارجة: (حَتَّى يُوجّدْهُمْ عَادْ يْكَلْفْهُمْ)، يعني: أنه لا وجود لسوى الله,

وقد كان الملقب العفيف -وهو الفاجر- التلمساني من الغلاة في الوحدة , يلوط بابنه , ولما أنكر عليه مرة قال له: (يا بني أنا وأنت شيء واحد). نسأل الله السلامة والعافية, وحسن الخاتمة.

ومن الجدير بالذكر حول التلمساني هذا , ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض حديثه عن الصوفية القائلين بوحدة الوجود قال: (حدثني الثقة الذي رجع عنهم، لما انكشفت له أسرارهم, أنه (يعني التلمساني) قرأ عليه فصوص الحكم لابن العربي قال: فقلت له: هذا الكلام يخالف القرآن, فقال القرآن: كله شرك , وإنما التوحيد في كلامنا , قال: فقلت له: فإذا كان الكل واحدا , فلماذا تحرم عليَّ ابنتي وتحل لي زوجتي؟ فقال: لا فرق عندنا بين الزوجة والبنت , الجميع حلال , لكنِ المحجوبون قالوا: حرام، فقلت: حرام عليكم).

وقد ذكر السخاوي رحمه الله في كتابه الحافل (القول المنبي , عن ترجمة ابن العربي) عن هؤلاء الاتحادية عجائب , وجلب فيه أكثر من مائة وأربعين فتوى بتضليل أو تكفير ابن العربي, والكتاب مخطوط وقد قرأته, وعندي منه صورة , وأخبرني أبو البيض أنه قرأه , وأن أولئك المفتين كلهم لم يعرفوا التصوف, ولم يشموا له رائحة , وذكرت الساعة ـ والكتاب لا تطوله يدي الآن ـ أنه ذكر عن الحافظ ابن حجر أنه سأل شيخه ابن الملقن أو البلقيني عنه فقال: هم إن كانوا يعتقدون ذلك كفار, قال: و ابن الفارض؟ قال: لا أحب ذكره , قال ابن حجر: ولِمَ؟ والكل والهدف واحد , قال: وشرعت أذكر له أبياتا من تائية ابن الفارض , فقاطعني قائلا: هذا كفر , هذا كفر.

ومعلوم أن ابن حجر باهل أحد طواغيتهم بالقاهرة , و بعد المباهلة بشهر واحد هلك الاتحادي.

وهذه أقوال الشيخ أبي البيض في الموضوع , وأنبه إلى أنني لا أورد منها ما ذكره الأخ الأستاذ الفاضل مصطفى السفياني باحو , في كتابه المستطاب (تنبيه القاري إلى فضائح أحمد ابن الصديق الغماري):

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير