1 ـ قال في جؤنة العطار من منسوختي في جواب من سأله عن قولهم: (لا يكون الصديق صديقا, حتى يشهد فيه سبعون صديقا بأنه زنديق) , بعد كلام: (والصديق المشهود عليه بالزندقة هو الصديق الحقيقي , وهو الصديق الكامل , العارف بالله تعالى , الغريق في بحر الوحدة , فإنه لا يصل إلى مقام الصديقية حتى يفنى عن الوجود , و عما فيه , و لا يرى إلا الله تعالى , و تظهر عليه أنوار الوحدة، و أسرار المعرفة , ومقامات الفناء , فعند ذلك يبوح لا محالة بما في آنيته , أحب أم كره، لغلبة حال السكر عليه , فإذا دام على ذلك و اشتهر به , و شاع عنه , شهد عليه الفقهاء والعباد الصالحون بالزندقة , لبعدهم عن هذا المقام , و جهلهم به و بالله تعالى تمام الجهل , كما هو حالهم مع كبار العارفين ,كالحلاج، و ابن العربي , و ابن سبعين، و ابن الفارض , و الششتري، وأمثالهم , فإن جل الفقهاء يشهدون عليهم بالإلحاد والزندقة، و القول بالحلول و الاتحاد. و قد ألف الحافظ السخاوي مجلدا حافلا في إكفار الشيخ محيي الدين ابن العربي رضي الله عنه , سماه: (القول المنبي, في ترجمة ابن العربي) , لم يورد فيه إلا فتاوى كبار العلماء , من عصر الشيخ الأكبر كالعز ابن عبد السلام ومعاصريه، إلى طبقة شيوخه وشيوخهم , كالبلقيني و العراقي و الحافظ ابن حجر و أمثالهم , و كلهم حكموا بكفره و زندقته , فهم صديقو أهل القرن السابع و الثامن والتاسع, و هم نحو السبعين (قلت: بل هم أكثر من مائة وأربعين) , و ما حصلت له رضي الله عنه الصديقية الكبرى , إلا بعد شهادة هؤلاء الصديقين رحمهم الله وغفر لهم , و جعلنا من حزبه المشهود عليهم , ولو كان الشاهدون ألف ألف صديق.
وكتبت أنا على هامش نسختي تعليقا على هذا القول ما نصه: (لازم هذا أنهم جاهلون بالله تعالى , لا يفهمون عن الله , ولو بلغوا مليونا من العلماء , والمؤلف ومن على شاكلته , عالمون بهذا , مدركون له بالذوق , كأن أولئك لا أذواق لهم , والعجب أن من أولئك أولياء حكيت لهم كرامات, و زعمت لهم "القطبانية"؛ كابن حجر وغيره , كما في "الجواهر" و"الدرر".
2 ـ قال في رسالة بدون تاريخ إلى ذنبه الكرفطي المدعو التليدي: (وجوده صلى الله عليه وسلم في كل مكان, بل هو الكون كله).
قلت: تأمل قوله: (بل هو الكون كله) , فإنه يعني ما يدعونه "الإنسان الكامل"، و يقصدون أنه أكبر مظهر للإله في الأرض , تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
3 ـ وفي رسالة له إليه مؤرخة بـ (12 ربيع الثاني عام 1374) قال بعد كلام: (أما وحدة الوجود فوالله ما أوجد الله عارفا به تعالى من عهد آدم إلى النفخ في الصور , إلا و هو قائل بها , ذائق لها , لأنها عين المعرفة , فمن لا وحدة له , لا معرفة له أصلا , ثم ذكر أن العارفين عنده قسمان: قسم يلزم الصمت ولا يبوح بالسر , و قسم غلبهم الحال , فباحوا أو أُذِنَ لهم بالبَوْحِ فصرحوا) , إلى أن قال: (ولله در القائل: [الكامل]
أهل الهوى قسمان قسم منهمُ * كتموا وقسم بالمحبة باحوا
فالكاتمون لسرهمْ شربوا الهوى * ممزوجة فحمتهمُ الأقداح
والبائحون بسرهم شربوا الهوى * صرفا فهزهمُ الغرام فباحوا
والعارف الششتري رضي الله عنه من أكثرهم بوحا بذلك في أشعاره وأزجاله , و من أفصحها في ذلك قوله:
محبوبي قد عم الوجودْ * وقد ظهر في بيض وسودْ
وفي النصارى واليهودْ *وفي الخنازير والقرودْ
الخ ما لست أنا على يقين من لفظه).
قلت: تأمل قوله: (وقد ظهر في بيض وسود الخ) لتدرك ما فيه من معنى الحلول الذي ينكره أبو البيض , و قوله: (وفي الخنازير والقرود) منسجم تمام الانسجام مع قول ابن العربي:
وما القرد والخنزير إلا إلاهنا * و ما الله إلا راهب في كنيسة
وقد أنكر أبو البيض هذا البيت , وكذب من نسبه إلى ابن العربي بدون دليل، وهو مذكور في كتب الصوفية منسوبا إليه.
4 ـ وفي رسالة منه إليه بتاريخ (3 ذي القعدة 1379)، (و يلاحظ أنها من أواخر ما كتب لأنه توفي بعدها ببضعة أشهر , الشيء الذي يدل على عدم توبته من فواقره)، ما نصه:
(و قول العارف الحراق: [الوافر]
فذا شيء دقيق ليس تدري * لدقته المشيرَ و لا المُشارَا
به صار التعدد ذا اتحاد * بلا مزج فذا شيء أحارا
¥