ومن أحسن ما عبر به عن وحدة الوجود التي من ذاقها وتحققها فهو العارف بالله , ومن أنكرها فهو الجاهل المغرور البعيد عن حقيقة التوحيد و الإيمان , ومن آمن بها وسَلَّم أمرها لأهلها , فهو المؤمن الكامل، الذي يُرجى له كل خير من الله؛ بل هو إن شاء الله من أولياء الله , و إن كان ليس عارفا به).
قلت: تأمل هذا الكلام , لتعرف ما يلزم عليه من تجهيل بل و تكفير الصحابة و التابعين , و الأئمة المجتهدين , و الجماهير الغفيرة من الأولياء و الصالحين، الذين درجوا و هم لا يعرفون حرفا واحدا من هذه الجراثيم المبيدة للدين والأخلاق , لأن من خصائص هذه العقيدة الخطيرة أن صاحبها لابد أن يكون إباحيا لا يعرف حلالا ولا حراما، و ليكن منك على ذكر , قول العفيف ـ بل الفاجر ـ التلمساني المشار إليه آنفا , فاعلم هذا واستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
5ـ وفي رسالة منه إليه بتاريخ (27 محرم عام 1380) (يلاحظ أنه كتبها قبل موته بنحو شهرين) , قال يخاطب بِرْذَوْنَهُ , و وارث شَرِّه: (وكذلك اقتصارك على من ذكرت في التصريح بوحدة الوجود مع أنك لو حكيت الإجماع المحقق المقطوع به , لكان أولى من ذلك , لأن المعرفة هي التحقق من وحدة الوجود , ذوقا لا علما و إيمانا , فمن لم يقل بها , فوالله ما شم للمعرفة رائحة).
قلت: هكذا يصرح أبو البيض بانعقاد الإجماع على وحدة الوجود , ولا أدري إجماع من!؟ فلعله إجماع الزنادقة ومن لا دين لهم , ولعل مصدر تلقيه الشيطان , وإلا فقل لي بربك كيف يُتَصَوَّرُ إسلامٌ وإيمانٌ دون علم ولا تعليم ولا درس إلا الذوق , وهذا القرآن و السنة بين أيدينا , يدعوان الناس إلى التوحيد الظاهر من معنى لا إله إلا الله، و عليه جردت السيوف , وفتحت الأمصار , وتفتحت الأبصار , دون أن يعرف الفاتحون من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الآن ذوقا ولا حالا , سبحانك هذا بهتان عظيم.
6 ـ وفي رسالة منه إليه بتاريخ (6 صفر عام 1379) , تحدث عن معية الله تعالى، و حمل على أئمة السلف , وخصوصا الإمام أحمد فقال عنه: (هكذا فعل أحمد بن حنبل في العلو , فآمن به وكفر بالمعية , هو و من على طريقته، أما نحن فنؤمن بكل ما جاء عن الله من: يد ويدين وأيد وعين وعينين وأعين , و نومن بأنه سبحانه على عرشه بذاته كما ورد فيه النص، وكذلك نؤمن بأنه تعالى معنا بهوية المعية، و هي ذاته المقدسة، فهو معنا بذاته في حين كونه فوق العرش بذاته، وتحت الأرض السابعة بذاته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو دلى أحدكم بحبل لهبط على الله الخ).
قلت: والشيخ مولع بقضية المعية , وأنها بالذات لا بالعلم , كما أجمع عليه السلف الصالح , و هو مقتضى القرآن في آية العلم: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ, مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُم, ْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (المجادلة:7) , فافتتح سبحانه الآية بالعلم , وختمها بالعلم , و قد عمي عن هذا واحتج بالحديث الضعيف , وفاته أن يقول عن الله تعالى وهو من لوازم إيمانه وفهمه: (إنه تعالى بذاته في الحشوش والمزابل) إلى آخر ما لا يليق بعظمته , ونتحرج من ذكره , وقد أعدى أبو البيض أشقاءه بهذا البلاء الماحق , و المقصود الأهم من الإصرار على إثبات المعية بالذات أنها مَدْرَجَة لوحدة الوجود كما نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه و أصحابه , و تهجم الشيخ على الإمام أحمد معهود منه , فقد وصفه بالجهل , و أنه لا يعرف طريق الجمع بين النصوص , و أنه كان يعتقد الجهة والعلو والانحياز فوق العرش , و هذا كله بهتان و افتراء , و حاشا الإمام المحتسب الصابر على الحق أن يكون كما وصف هذا الظالم لنفسه , و قد اتهمه بالنصب و معاداة الصوفية , وقد قرأت في مناقبه رضي الله عنه قول ابن أعين فيه:
أضحى ابن حنبلَ محنةً مأمونةً * وبِحُبِّ أحمدَ يُعرف المتنسكُ
وإذا رأيت لأحمدٍ متنقصا * فاعلم بأن ستوره سَتُهَتَّكُ
¥