وأنبه على فوات جد مهم للشيخ عبد الله , وهو نص قاطع للخصومة , حاسم للتردد في الموضوع , وذلك قوله تعالى: ( .. فأخذه الله نكال الآخرة والأولى, إن في ذلك لعبرة لمن يخشى)، فهذه الآية الكريمة نص واضح لا يحتمل التأويل, ولا يقبل إلحاد أبي البيض في كتاب الله المتجلي في تساؤله عن السر في قوله تعالى: (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار)، فكأنه فهم أنه يتقدمهم إلى النار دونهم , فيوردهم إياها ويرجع سالما إلى الزاوية , ومادام أن أبا البيض اختار إيمان فرعون فندعو الله تعالى أن يحشره معه , و يجعله من حزبه , كفاء دفاعه عنه , وهذا نص الجواب:
(ومسألة إيمان فرعون ألف فيها إثباتا وانتصارا للشيخ الأكبر العلامة الجامي , و رد عليه ذلك المغفل علي القاري الحنفي بكتاب سماه: (فر العون من مدعي إيمان فرعون) مطبوع بالأستانة هو والأصل المردود عليه, ولكن انبرى له العلامة الصوفي المطلع المتضلع من العلوم المعقولة والمنقولة محمد بن رسول البرزنجي فألف كتابا لطيفا سماه: (التأييد والعون لمدعي إيمان فرعون)، أتى فيه بما يبهر العقول , كما فعل في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم , وقد قرأت الجميع والحمد لله , والتأييد عندي عليه خطه. وقد ألف كنون الفقيه الفاسي رسالة في الرد على ابن العربي قرأتها أيضا , وللعلامة الجامي كتاب سماه: (الجانب الغربي في نصرة ابن العربي) ألفه بالفارسية , و ترجمه ابن رسول البرزنجي , وسماه: (الجاذب الغيبي) في مجلد كبير , أجاب فيه عن جميع ما أشكل من كلام الشيخ , و لعبد الغني النابلسي (الرد المتين) أيضا وكلاهما موجود.
وللبحث مجال في أدلة الجميع , وصاحبك الذي يقول إن الدليل على كفره قطعي , لعله لا يفهم معنى قطعي , والله تعالى يخبر عنه أنه آمن عند خروج روحه , أو عند معاينته الهلاك , وعاتبه الله على ذلك إذ تأخر بإيمانه إلى ذلك الحين. ولم يقل بعد ذلك إنه لم يقبل إيمانه , فأين الدليل القطعي الذي خرقه الشيخ رضي الله عنه؟! ثم ما الحكمة في قوله تعالى: (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب)، ولم يقل فرعون , وما الداعي إلى ذلك التأويل الذي يذكره المفسرون, فالمسألة اجتهادية لا قطع فيها أصلا.
وأنا قرأت رسالة البرزنجي بمصر سنة إحدى وخمسين أي منذ ثلاث وعشرين سنة , ولم يبق بذهني من أدلته شيء , إلا أنه أجاد وأفاد , على أن العارف الشعراني يقول: إن الشيخ الأكبر يتكلم على فرعون آخر غير فرعون موسى , و لكنه اعتذار ظاهر الضعف.
والفتوحات والفصوص مشحونة بالمعارف الإلهية التي عجز أن يأتي بمثلها كبار العارفين لا بالطامات, نعم هي طامات على الجهلة , لأنها سبب في هلاكهم ووقوعهم في محاربة الله تعالى بمحاربة أوليائه.
والشيخ الأكبر لا يوجد له حرف واحد في الحلول , ومحال عقلا أن يدعي الحلول , وهو ينكر وجود غير الله معه مطلقا , ففي من يحل ولا وجود لغيره معه عنده , وهذه الكائنات كلها في قوله أوهام لا حقيقة لها.
والخوض في هذا الباب صعب على أمثاله , فإما أن يؤمن بكلام أهل الله , وإما أن يسلم , وإلا فالهلاك المحقق).
قلت: أتيت بنص كلام أبي البيض كله , لتقف على مدى غلوه في ضلاله , و تشبعه بكلام إمامه الذي كان أمة وحده في الإلحاد في دين الله والكيد له، والتلاعب بتعاليمه , الشيء الذي حدا بالمستشرق الإسباني (آسين بلاثيوس) بعد أن ترجم كلام ابن العربي إلى تسميته: (إسلام في ثوب نصراني).
وتأمل إرهاب أبي البيض لمن يرد على أوليائه بالهلاك المحقق , وما الهلاك المحقق إلا ما هم عليه , و العبث بآياته , و قد حذا أبو الفتوح حذو شيخه في التهديد والوعيد لمن رد عليهما وحذر من أفعالهما , و هنا تحركت القريحة المكلومة، فنظمت الساعة هذه الأبيات غيرة على الحق , وذبا عن الإسلام , وردا لكيد أعدائه، والله الموفق: [البسيط].
أبشر (أبا البيض) بالخسران والغضب* من ربك الواحدِ القهارِ, والعطب
قد كنت أطريك مغترا ومندفعا ** بظاهر الحال مخدوعا بمنحجب
فتُبْتُ لما رأيت الكفر منتشرا ** في كتبك السود مأخوذا من العجب
برئت منك ومن أولي الزوايا فهمْ ** قبيل إبليس من زور ومن شغب
فهل من الدين والتوحيد معتقد ** يوحي بأن إله العرش كالخشب
أستغفر الله من قول ملئت به ** رعبا وخفت مصيرا باديَ الوصب
¥