والرفض من فيك يبدو بالوقيعة في ** صحب الرسول قبيحا جالب الرهب
أخوك فرعون مسرور بذبك عن ** إيمانه يا حليف المسخ والكذب
والرقص والجذب والتخريف ديدنكم ** يا عصبة الشر والأحلام والنصب
والطبل والزمر والإنشاد دينكم ** أيعبد الله بالأنغام والطرب؟
الفصل الثامن
قوله بتصرف الأولياء المطلق في الكون, وإيمانه بديوانهم,
والقطبانية وأن القطب منهم يتصرف في ستة عشر ألف عالم, الدنيا والآخرة عالم واحد منها.
هذا الفصل ينتظم أربع فواقر، بعضها أقبح من بعض , فأولها اعتقاد أبي البيض بتصرف الأولياء في الكون , وقد تعرض لهذه الموبقة الأخ مصطفى السفياني في كتابه القنبلة العنقودية: (تنبيه القاري إلى فضائح أحمد بن الصديق الغماري) , وأجاد في عرضها مع أمثلة لهذا التصرف المدعى , ومعلوم أن التصرف المعتاد طبيعي لبني آدم , لا بد منه لاستمرار الحياة , وتصرف الأولياء في الكون له مفهوم آخر غيبي تابع لاعتقادهم في القطبانية وديوان الأولياء , ومما لا شك فيه أن هذا الاعتقاد من البدع المدمرة للعقيدة الحق , فإنه لا يعرف له ذكر , ولم يكن خطر ببال أحد من المسلمين العامة, فضلا عن أهل العلم والصلاح والولاية القرآنية , لأنه من الغرابة بمكان أن يكون مع الله شريك يدبر أمر العالم فيتصرف كيف شاء استقلالا , فيفقر ويغني , ويمرض ويصح , ويسعد ويشقي, ويولي ويعزل , ودعك من قولهم تدليسا وتلبيسا: إن ذلك بأمره وإذنه , فبالله تصرفهم لا بأنفسهم. وهذا لا مفهوم له , فإن كل ما يجري بقضاء الله وقدره وأمره , ثم إن هؤلاء المتصوفة غلوا في هذه المسألة غلواً بالغا , فلم يقصروا التصرف على أحيائهم؛ بل جعلوه لبعض أوليائهم الأموات , فعند المغاربة فقط أربعة أقطاب يتصرفون بعد الموت , منهم: إدريس، و أبو يعزى , وأذكر أن محمد بن جعفر الكتاني ذكر هؤلاء في كتابه الذي يعد من مدونات الخرافة والضلال وهو (سلوة الأنفاس) , و كنت سألت الشيخ أبا البيض عن هذه المسألة فأجاب بتاريخ (3 شوال عام 1372) من أزمور من كتاب , ومن الأصل الذي بخطه أنقل ما نصه:
(أما مسألة تصرف الأولياء في الكون فيحتاج الجواب عنها إلى طول , وعجيب جدا أن تسمي من يعتقد التصرف مشركا حبيبا لك , مع أن المشرك حقا هو من لم يؤمن بالتصرف الذي هو لب الشريعة , وروحها , و به بعث الأنبياء والمرسلون , فدعه على شركه حتى يكون عندنا فراغ, فنملي عليك ما يفتح الله به).
وعاد الشيخ فأملى عليَّ في كتاب ثان في نفس الشهر مما فتح به عليه الشيطان, وفيه طول ممل ومغالطة ظاهرة , و تعمد الغموض واللبس , فتحدث أولاً بأن التصرف كله دقيقه وجليله بالله ومن الله , وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن , (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله)، ثم تحدث عن الملائكة والجن والروح , وما أعطوا من النفوذ في الكون , وأن الروح إذا قويت حصل التصرف بها لا بالجسد , ومنه المعجزات والكرامات , وأشار الشيخ إلى حديث الولي, وفهمه فهما يوائم مذهبه في الوحدة والتصرف , وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه , فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به , وبصره الذي يبصر به , ويده التي يبطش بها)؛ كما في البخاري وغيره , فمن كان الله سمعه سمع كل شيء , ومن كان الله بصره أبصر كل شيء , ومن كان الله يده التي يبطش بها قدر على كل شيء , لأنه ليس هو السامع ولا المبصر ولا المتصرف, بل الله تعالى , فإن منكر كرامات الأولياء وتصرفهم كمنكر وجود بغداد ومكة , حقه أن يُربط مع الدواب , ولابن بنت الميلق في قصيدته المعروفة: [البسيط]
به تصرفهم في الكائنات فما ** يشاء شاؤوا وما شاؤوه يقضيه
وهكذا لبَّس الشيخ ودلس , وأوهم ما ليس بمراد , وهو يعرف ما يقصده المتصوفة بالتصرف, ولكنه خلطه بوحدة الوجود والمعجزات والكرامات الخ ما لا معنى له هنا , والزَّج بالكرامات هنا مقصود للمغالطة , وإلا فنحن بحمد الله من أهل السنة والجماعة نؤمن بمبدأ الكرامات إيمانا جازما , ونعتقد أنه لا يسع مسلما إنكارها وقد أثبتها الله في كتابه , وتواترت بها الأحاديث والآثار, إلا أننا غير ملزمين بالخرافات التي تمتلئ بها كتب الصوفية , وتروج أكثر ما تروج في بيئتهم الموبوءة , وزواياهم التي هي مراكز البدعة والضلال , فلا نؤمن , بل نكفر ونحذر بقوة مما
¥