تضمنه (طبقات الشعراني)، و (جامع كرامات الأولياء) للنبهاني , و (روض الرياحين) لليافعي وأمثالها, فمعظمها أكاذيب وترهات , وأساطير وخزعبلات , لا يَسلَم منها على النقد إلا القليل, وقد تصدى الأخ الفاضل عبد الرقيب الإبي اليمني فجمع مجلدا مباركا سماه: (كرامات الأولياء) اقتصر فيه على ما صح سنده مما يحكى ويروى عن الصحابة فمن بعدهم من أهل العصور المشهود لها بالخير, وهو يورد الأخبار بأسانيدها ويعقبها بالنقد العلمي النزيه , فيقرأها المؤمن مطمئنا , ويزداد بها إيمانا بما يرى من إكرام الله لعباده الصالحين المتقين , بنحو إجابة الدعاء، أو شفاء عاجل , أو دفع صائل , أو بركة في متجر، أو تسهيل عسر , أو تيسير مطلوب بعيد المنال , أو تدمير ظالم معتد , هذه الكرامات لا تخرج عن هذا الشكل , فلم نر فيها لا طيراناً في الهواء , ولا مشياً على الماء , ولا طي طريق، ونحو هذا من الغرائب التي لم ترو عن سيد الخلق في هجرته , وما لقي من أذى قومه ولا عن الخلفاء الراشدين، و الصحابة المهتدين , وإنما يحكى عمن هب ودب من المجانين والحمقى والجهلة, وفيها ما يستحيى من سرده، مما لا حاجة إلى ذكره.
وأما ديوان الأولياء أو (برلمانهم) الذي يُعقد بغار حراء بمكة كل سنة , يحضره الأولياء ويجلسون على مراتبهم تحت رئاسة القُطب , ويتداولون في شؤون العالم وينقضون ويبرمون , وأحسب أن هذا التخريف إنما صدر أولا من المغرب ومن فاس بالخصوص , وعلى يد عبد العزيز الدباغ الذي حكى عنه تلميذه أحمد بن مبارك اللمطي تفاصيل ذلك المثيرة في كتابه ذائع الصيت (الإبريز) علاوة على غرائب وعجائب جعلت بعض معاصريه يشككون في ذلك لانفراده بصحبة ذلك الأبله , وحكاية تلك الخرافات عنه , والمقصود التنبيه , على أن مثل هذه البدع الضارة بالدين والدنيا لا علاقة لها بالولاية الحق , ولا بالإسلام الصحيح , و الشيخ أبو البيض حكى ذلك في بعض رسائله بصيغة المسلم الواثق الجازم.
والقطبانية درجة في ترتيب الجندية الصوفية , وهي نهاية الترتيب , وربما سميت الغوثانية , ولم أعرف منشأ هذا النظام العسكري الباطني , إلا أني قرأت لبعض الباحثين أنه مأخوذ من الباطنية الإسماعيلية , وهذا غير بعيد , لأنه لا يعرف في الإسلام مثله أبدا , وقد ألف السيوطي رحمه الله وهو مخرف كبير وجاهل بالتصوف كما نعته أبو البيض في (الجؤنة) رسالة طبعت قديما بمصر بتحقيق شقيق أبي البيض عبد الله سماها: (الخبر الدال، على وجود القطب والأوتاد والأبدال) قرأتها منذ أربعين سنة، فلم أجد بها حديثا أو أثرا عن القطب والأوتاد , إنما ذكر أحاديث عن الأبدال معلوم عند نقاد الحديث أنها معلة لا يصح منها شيء , و على فرض صحتها استئناسا باستعمال العلماء قديما للقب الأبدال , إلا أن مفهومهم له مختلف , فهم يقولون بأنه إذا توفي أحد الأبدال أظهر الله مكانه خلفه , والصوفية يقولون بأن البدل له أربعون صورة حسية يوجد في مكان ووقت واحد بتلك الصور كلها. ويسمى هذا تطور الولي , وقد ألف السيوطي كذلك رسالتين في تأييد هذه الأفكوهة التي لا توجد إلا في مخيلة الصوفية.
وللشيخ أبي البيض عناية بهذا التطور بل التمثيل السينمائي, وقد ذكر في رسالة منه إلى أبي الفتوح بتاريخ (11جمادى 2 عام 1377) اشتملت على غرائب, منها أنه كان بالمدينة المنورة, وزار القبر الشريف , ورأى في منام القبر مكشوفا , والنبي صلى الله عليه وآله وسلم راقد فيه ووجهه مغطى , قال: فلما وقفت كشف الغطاء عن وجهه الشريف , ونظر إليّ ومد يده الشريفة , فصرت أقبلها وأبكي وأقول: يا رسول الله أدع الله أن يغفر لي , فقال لي: أنت مغفور لك , قل: (اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق , والخاتم لما سبق) , فعلمت أن شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم قد حصلت , ففتح الله به ما كان أغلق , وختم به ما كان سبق من الجلال والامتحان إن شاء الله تعالى , ولما كان في تلك الليلة , زارنا شريف صالح مجذوب فلما جلس قال لي: هذه مدة وأنا أحب زيارتك , اِعلم أن القطب هو مثل قطب الرحى عليه تدور الرحى , ولا بد أن يحصل له أولا المحنة والجلال , ثم بعد ذلك يسجد له الجميع سجودا معنويا كما حصل ليوسف عليه السلام , حيث سجد له إخوته سجودا حسيا , ولكنه نسخ في شريعتنا السجود الحسي وبقي المعنوي , ثم
¥