قال لنا: هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاضر معنا في البيت , وكان ذلك بعد العشاء بكثير , فلما نمنا رأيناه صلى الله عليه وآله وسلم , و في اليوم الثاني وجدته جالسا بقهوة مع الأخ سيدي عبد الله , فذكرت له الرؤيا فقال: ألم أقل لك إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان حاضرا معنا!
قلت: ولا يخفى ما تشير إليه هذه الرؤيا والحكاية من أن أبا البيض أدرك القطبانية التي فخم شأنها جدا, و ذكر من أحوال القطب و نفوذه أنه يتصرف في ستة عشر ألف عالم , الدنيا والآخرة واحد منها , وقد أثبتها لجده ونفاها عن الحراق , ونشير إلى أن ما تضمنته الرؤيا السابقة من نهاية التجلي , لم يحصل , وإنما حصل العكس من ترادف الفتن والمصائب.
الفصل التاسع
قوله بإحياء الأولياء للموتى , وتصرفه في ذلك بالهوى,
فآمن ببعض وكفر ببعض, والدعوى واحدة.
هذه الفاقرة قديمة حكيت عن عدد من أولياء العجم بدون إسناد , و معلوم أن هذا لا يتفق وتعاليم الإسلام وتاريخه الصحيح , ولا يعرف في سير الأنبياء والمرسلين حتى سيدهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم , إلا عن عيسى روح الله وكلمته , فإن الله أعطاه هذه المعجزة وخصه بها فقال تعالى على لسانه عليه السلام: (وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله)، وقد ذكر هذا في الإنجيل مرة أو مرتين , وما ورد أن الله تعالى أحيى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أبويه فآمنا به , موضوع.
و المسلمون مطبقون منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن إحياء الموتى خاص بالله تعالى: (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم)، (هو يحيي ويميت)، (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، و الآيات في هذا المعنى كثيرة , ولما انتشر التصوف الفلسفي في العالم الإسلامي , ودخلت فيه العناصر الوثنية , وتعلق الناس بالكرامات وغلوا فيها حتى ألف عبد الله بن أبي الدنيا جزء (من عاش بعد الموت)، وهو مطبوع , وتلقف من جاء بعده ممن لهم مزيد عناية بالخرافات كالسيوطي والشعراني والنبهاني وأبي البيض وغيرهم، وزادوا في ذلك ما شاء لهم هواهم , و إذا صح شيء من هذه الحكايات فتعليله واضح , وهو إما أن يكون من تلبيس الشيطان عليهم , أو من باب السيميا وهو من فروع علم السحر , وغايته أن يخيل للرائي أن الباطل حقا فيرى الميت يتحرك و يتكلم و نحو ذلك , و كان الفقيه عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي الفهري صاحب العمل الفاسي ممن يتقن ذلك كما ذكر في ترجمته, و ربما يتفق في بعض الناس أن يصاب بسكتة أو غيبوبة , قد تدوم أياما وشهورا ولا يعرف حاله, ولم يكن يومئذ ظهر من الوسائل العلمية ما يعرف الواقع , فيحسب أن المرء مات , وهو حي, وقد قيل عن بديع الزمان الهمذاني أنه أصيب بغيبوبة طالت فدفن وهو حي , ثم أفاق وهو في القبر فأخذ يصيح فسمعه بعض المارة وأبلغ عنه فكشف عنه فوجد قد مات , وقد خرق كفنه وهو قابض على لحيته.
وموقف أبي البيض من هذه الفاقرة أنه تبناها بعنف , و غلا فيها غلوا مضحكا , فلنستمع إليه يقول في جؤنة العطار من مخطوطتي بخطي:
فائدة:
(جوز علماء الكلام كل ما كان معجزة لنبي أن يكون كرامة لولي , ثم استثنوا من ذلك إحياء الميت فزعموا أنه لا يجوز أن يوجد من ولي , والعجيب أن القشيري ـ وهو من الصوفية ـ وافقهم على ذلك في رسالته , وهو باطل لوجهين , أحدهما: أنه لا دليل عليه , و ثانيهما: أنه ثبت عن جماعة من الأولياء ثبوتا لا شك فيه أنهم أحيوا الأموات , منهم القطب الجيلاني والقطب أبو بكر العيدروس دفين عدن رضي الله عنهما , وذلك معروف في ترجمتيهما، وقد كان للثاني هرة يحبها كثيرا , وأظن اسمها مرجانة , فضربها خادمه يوما ضربة قتلتها , ثم رماها على مزبلة , فبعد ثلاثة أيام سأله الشيخ عن الهرة , فقال له: ماتت يا سيدي , فقال له الشيخ: ماتت؟ كالمنكر ثم دعاها يا مرجانة فأقبلت تسعى إليه , ورجعت إلى ما كانت عليه. ومات ابن لامرأة فأقسمت هي أو غيرها عليه في إحيائها, فدعا الله فعاش مدة بعد ذلك , و قال للمقسم: لا تعد. والقصة أطول من هذا فلتراجع في ترجمته, وكم لهذا من نظير , فلا تلتفت إلى ما يذكره المتكلمون, فهي غلطة تصدر من أولهم فيتابعه عليها باقيهم بدون تأمل في القول, ولا نظر في الدليل, فإن صدور الخارق على
¥