يد العبد ليس هم من فعله, إنما هو خلق الله تعالى وقدرته وإيجاده عند تعلق همة الولي بوجود الشيء, وقدرة الله تعالى تتعلق بكل ممكن , فلا فرق بين أن يقلب له التراب ذهبا , أو يحمله على الهواء , فيطير, أو على الماء فيمشي عليه , أو يشفى له مريض , أو يحي له الميت , فكل ذلك بالنظر إلى ذات العبد خارج عن قدرته وكسبه في العادة , وداخل تحت قدرة الله تعالى , فما الذي يجيز الأول على الله تعالى أن يجريه على يد ولي من أوليائه , ويمنعه أن لا يجري على يديه الثاني , بل جائز عقلا وشرعا وعادة أن يدعو مطلق المؤمنين الله تعالى بإحياء ميت , فيصادف منه تعالى قبولا وإجابة فيحييه له. وما صدور ذلك من الولي إلا من قبيل إجابة الدعاء).
وقال أبو البيض في "البرهان الجلي" نقلا عن السيوطي (وهو مصدر الخرافات في هذا الباب) قال: (روينا من وجوه حسنة كثيرة!! أن الولي السيد الشهير كفاية الله الحسني الحبشي مات ودفن بحيدر آباد قاعدة مملكة الدكن , ثم ظهر حيا بلكنو قاعدة مملكة (أوده) , فبينا هو يقرأ القرآن يوما إذ مر عليه رجل من التجار كان قد شهد دفنه بالدكن , فوقف متعجبا من أمره , فلما فرغ الشيخ من قراءته قال له: ما ترى؟ قال: شهدتك بالدكن إذ مت ودفنت. قال: نعم , ولكنني أحببت أن أكون أياما في الدنيا فظهرت هنا؟! قال: فأنا أموت هنا بعد زمان , ثم أظهر بالصين إن شاء الله تعالى , ولا تكون لي حينئذ أنملة الخنصر من يدي؟ فمات ثمة بعد زمان , ولقيه الرجل بعد مدة بالصين فكان كما قال , و هذه القصة مشهورة ببلاده).
ثم ذكر أبو البيض خرافة أخرى في نفس الكتاب , أغرب من هذه وأعرق في الكذب والخيال عن المسمى الحليق التركي , ولم أذكرها لطولها , و وجدت على طرة النسخة بخطي: (رحم الله الإمام الشافعي الذي قال عن الصوفية: من خالطهم من الصباح إلى الظهر أنكر عقله).
ووجدت أيضا بخطي على هامش القصة السابقة في الجؤنة على قول أبي البيض: "وما صدر ذلك من الولي إلا من قبيل إجابة الدعاء" ما نصه: هذه شبهة داحضة , والأحكام والحقائق لا تؤخذ هكذا , وقدرة الله صالحة لكل شيء (وهو على كل شيء قدير) ولكنه أخبرنا أنه وحده الذي يحيي ويميت, وأنه المنفرد بإنفاذ كل ما لا يدخل تحت قدرة العبد واستطاعته التي منحه الله إياها , فمن زعم أنه يستطيع هذا وأحال على القدرة فهو دجال ملبس , وأذكر أنني سألت الشيخ عما يحكى عن الجيلاني أنه أحيى الموتى , وعن عم جده لأمه عبد القادر ابن عجيبة أنه أحيى زوجته , وهذا يحكيه الناس كثيرا , وسمعته أنا من أحفاد الشيخ وأقاربه، فاستنكره أبو البيض واستهزأ بمعتقده وقال في عبد القادر ابن عجيبة قولا شديدا , وعندي جوابه بخطه.
وقد ذكر في كتابه (البرهان الجلي) نحو ثلاث حكايات في إحياء الأولياء للموتى , فاعجب كيف تفعل الزاوية بعقول أهلها , نسأل الله السلامة والعافية.
قلت: وما الذي جعل العيدروسي وكفاية الله الحبشي ومحمد حليق التركي يحيون الموتى وعبد القادر ابن عجيبة لا يفعل؟ إنه الهوى والعنصرية كما يقال. والدعوى واحدة والكذب متشابه, ثم السؤال الذي يطرح نفسه الآن على حد تعبير الناس اليوم: إن هذا لو كان ممكنا لأعطاه الله تعالى خير خلقه محمد صلى الله عليه وآله وسلم , وقد مات أبواه واختاره الله نبيا ورسولا فلماذا لم يحييهما حتى يؤمنا به , وماتا على الشرك , وقد استأذن صلى الله عليه وسلم ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن له، وأذن له بالزيارة فبكى وأبكى رحمة لها , وكذلك حصل مع عمه أبي طالب الذي كان يحبه وينصره , وهكذا وهلم جراً إلى إدريس الأول الذي مات مسموما ولم يستطع دفع الشماخ عن نفسه, وهذا الشيخ عبد السلام بن مشيش وهو وجَدُّه الأعلى إدريس قطبان بالإجماع , والقُطب يتصرف في الدنيا والآخرة!! وهو ممن أعطوا التصرف في الحياة بعد الممات , ولم يستطع هذا دفع ابن أبي الطواجين عن نفسه حتى ذبحه , بل هذا جد أبي البيض الحاج أحمد بن عبد المؤمن الذي شهد له أبو البيض بالقطبانية , ومنعها عن الحراق , والأقطاب يعرف بعضهم بعضا! وقد أشار أبو البيض إلى إدراكه درجة القطبانية , وأكثر في ذلك من الرؤى و المنامات التي لم يتحقق له منها شيء إلا ما كان من المحن والأمراض , والعجب أنه كان شديد التعلق بهذه المنامات والمبشرات
¥