التي كان يتلقاها من البهاليل، ثم اعتمد حساب الكهان , وسُرَّ سُرورا بالغا بالفرج , خصوصا بعد أن قلب له العسكر ظهر المجن , و علم أنه كان يعيش معهم في سراب خادع , وبعد أن قبض على شقيقه عبد الله , فكتب إلى أبي الفتوح يقول: (إنه يعيش في ضيق عظيم , وأنه يتمنى أن تتاح له فرصة الرجوع إلى المغرب , فإذا وجدها لم يمكث بمصر لحظة , وقد حدد له بعض الكهنة أن موعد الفرج العام يكون سنة 79 إلى 80 , جزما).
والغريب أنه توفي سنة 1380، فقامت قيامته , وانتهى أمره , وتوالت البلايا على المسلمين بالنظام العالمي الجديد والعولمة واحتلال العراق والأفغان , وتدمير فلسطين , وضياع المسجد الأقصى, و مجيء دور المجوس الروافض الذين يهددون المسلمين ويكفرونهم في غير موضع من العالم , والمسلمون أهل السنة الآن في العراق محاطون بأشد الأخطار , ومهددون بما يسمى الإبادة العرقية والطائفية من الروافض والأكراد وأمريكا ومن معها من دول ما يسمى التحالف الصليبي والاتحاد الأوروبي؛ بل وجيرانهم من دول الخليج العربي هم عملاء لأمريكا وأرضهم محتلة بها , هذا هو الفرج الذي بشر به أبو البيض من أوليائه , وعاش على هاجسه إلى أن مات.
والمقصود التنبيه على هذه العقائد الصوفية المدمرة الغرارة , ومنها إحياء الموتى التي آمن بها أبو البيض , ورد على المتكلمين الذين أخرجوها من كليتهم العوجاء: (كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي)، وفات أن موسى عليه السلام شق له الله في البحر طريقا يبسا بضربه بعصاه , وسليمان جيء له بعرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين وصالح أخرج الله له ناقة من الصخر , والنبي صلى الله عليه وآله وسلم عرج به إلى السماوات في لحظات، وغير ذلك من المعجزات , فهل لأولياء أبي البيض مثل هذه المعجزات , إذا كانت فلماذا لم تُنقل , وأردد هنا كلمة الشافعي رحمه الله: إذا صاحب المرء الصوفية من الصباح للظهر أنكر عقله.
الفصل العاشر
اعتقاده حضور النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذاته في كل زمان ومكان، وادعاؤه أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم الغيب كله حتى الخمس التي لا يعلمهن إلا الله
هذا الفصل يتضمن مصيبتين: اعتقاد حضوره صلى الله عليه وآله وسلم بذاته ونفسه في كل زمان ومكان , وادعاؤه أنه صلى الله عليه وآله وسلم يعلم الغيب كله.
و هاتان الفاقرتان تخالفان الإسلام دين المسلمين , و تصادمان عقيدته وتعاليمه , وتزيد الأولى أنها تنافي العقل والعادة , وأبو البيض كان يعتقد هذا من شبابه واستمر عليه إلى وفاته , نسأل الله السلامة.
وقد حدثني صهري وهو ابن عمة أبي البيض محمد بن عبد الصمد التجكاني أنه كان معه في الحج، و حضر معه مذاكرة مع لفيف من الطلبة والصوفية , فأفضى الكلام إلى فضائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخصائصه , فصرح لهم أبو البيض وهم في المسجد النبوي أنه عليه الصلاة والسلام موجود بذاته ونفسه في كل زمان ومكان , و أنهما لا يخلوان منه , قال التجكاني: فناقشته طويلا وأنا أشير إلى القبر المقدس قائلا: من هناك , أليس ذاك قبره عليه الصلاة والسلام , فأجاب أبو البيض: نعم , وهو نفسه هنا بذاته وفي كل مكان وزمان , ومن هنا كان أبو العباس المرسي يقول: لو حجب عني رسول الله طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين , ولا يعني أبو العباس ذكره وحضوره القلبي , ولكنه الحضور الذاتي , و من هناك جاءت رؤية الأولياء له عليه الصلاة والسلام يقظة ومناما وكل وقت , واستمر في هذا الكلام وأبى أن يرجع عنه , وأراد أن يوضحه دون جدوى لأنه يصعب تصوره وفهمه.
وقد سبق أن أشرت إلى أن أبا البيض نسخ بخطه رسالة في الموضوع لنور الدين الحلبي ما زالت موجودة بين كتبه المخطوطة بخزانة تطوان العمومية , ثم رأيتها مطبوعة في كراسة صغيرة بمصر, بعنوان (محمد) صلى الله عليه وآله وسلم , واسمها الأصلي: (تعريف أهل الإيمان , بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم موجود في كل زمان ومكان) , فهذه الرسالة المشؤومة عليه هي المسؤولة عن تضليله , وجعله يعتقد ما يصادم معتقد المسلمين , وقد كان في حل من هذا لو أراد الله به خيرا, واستقام على الطريقة الحق.
¥