هكذا هذا الحديث في الموطأ من قول يحيى بن سعيد
وهو مروي عن النبي - عليه السلام - إلا أنها وجوه ضعيفة الإسناد ويردها أيضا أطول الآثار الصحاح
الاستذكار ج:1 ص:67
فمن ذلك أن غير مالك طائفة تروي هذا الحديث عن يحيى بن سعيد عن يعلى بن مسلم عن طلق بن حبيب عن النبي عليه السلام وهذا مرسل وطلق بن حبيب ثقة عندهم فيما نقل إلا أنه رأس من رؤوس المرجئة وكان مع ذلك عابدا فاضلا وكان مالك يثني عليه لعبادته ولا يرضى مذهبه
وقد روي مسندا إلا أنه حديث يدور على يعقوب بن الوليد وهو متروك الحديث
حدثنا أحمد بن القاسم بن عيسى قال حدثنا عبد الله بن محمد بن حنانه قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثني جدي قال حدثنا يعقوب بن الوليد عن بن أبي ذئب عن عن أبي هريرة قال قال رسول الله ((إن أحدكم ليصلي الصلاة وما فاته من وقتها أشد عليه من أهله وماله))
وأما الأصول التي ترد هذا الحديث (فمنها) حديث نافع عن بن عمر عن النبي أنه قال ((من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله))
فلم يقع التمثيل والتشبيه ها هنا إلا لمن فاته وقت الصلاة كله بدليل قوله ((من أدرك ركعة من العصر)) وبدليل قوله حين صلى في طرفي الوقت ((ما بين هذين وقت))
وحديث يحيى بن سعيد يدل أن من فاته بعض وقت الصلاة في حكم من فاته الوقت كله في ذهاب أهله وماله
وقد حكى بن القاسم عن مالك أنه لم يعجبه قول يحيى بن سعيد المذكور وذلك لما وصفنا والله أعلم
وقد يحتمل حديث يحيى بن سعيد وما كان مثله من الحديث المسند فمن فاته أول الوقت أن يكون قد فاته من الفضل ما كان خيرا من أهله وماله لأن الفضائل التي يستحق عليها ثواب الآخرة قليلها أفضل من الدنيا وما فيها لا أنه كمن وتر أهله وماله على ما في حديث بن عمر
قال رسول الله ((موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها)) (1)
والذي يفيدنا حديث يحيى بن سعيد والحديث المرفوع - تفضيل أول الوقت
الاستذكار ج:1 ص:68
على آخره لأن من فاته أول الوقت فاته كمن فاته الوقت كله
والدليل على تفضيل أول الوقت على آخره حديث أبي عمرو الشيباني عن بن مسعود قال ((سألت رسول الله أي الأعمال أفضل قال الصلاة لأول وقتها)) (1)
وحديث عبد الملك بن عمير عن أبي خيثمة عن الشفاء ((أن رسول الله قال ((أفضل الأعمال الصلاة لأول وقتها))
وحديث عبد الله بن عمر عن القاسم بن غنام عن بعض أمهاته عن أم فروة أنها سألت رسول الله أي الأعمال أفضل قال ((الصلاة في أول وقتها))
وقد ذكرنا هذه الآثار من طرق في كتاب ((التمهيد))
وفي قوله تعالى فاستبقوا الخيرات البقرة 148 ما يكفي مع أنه معلوم في شواهد العقول أنه مزيد وإلى الطاعة أفضل ممن تأخر عنها وإن كان مباحا له التأخير وبالله التوفيق
قال مالك من أدرك الوقت وهو في سفر فأخر الصلاة ساهيا أو ناسيا حتى قدم على أهله أنه إن كان قدم على أهله وهو في الوقت فليصل صلاة المقيم وإن كان قد قدم وقد ذهب الوقت فليصل صلاة المسافر لأنه إنما يقضي مثل الذي كان عليه
قال مالك وهذا الأمر الذي أدركت عليه الناس وأهل العلم ببلدنا
أما قوله ساهيا فهو الذي يسهو فلا يذكر غفلة وشغلا وأما قوله ناسيا فهو الذي يذكر في أول الوقت صلاته ثم ينسى وقد قيل إن السهو والنسيان متداخلان ومعناهما واحد
وأما قوله إن كان قدم على أهله وهو في الوقت وقوله إن كان قدم وقد ذهب الوقت فقد تقدم مذهبه وما يراعى من الوقت في ذلك وما كان مثله في صلاتي النهار وصلاتي الليل وفي الآخرة منها عند ذكر قوله عليه السلام ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس)) فلا وجه لتكرار ذلك
وأما قوله إنه إنما يقضي مثل الذي كان عليه فإن الحجة في ذلك قوله عليه السلام من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها
الاستذكار ج:1 ص:69
فأشار إلى المنسية وهي التي فاتته ووجبت عليه فيقضيها على حسب ما كان يصليها لأنها لزمته بالذكر فصارت واجبة عليه بهيئتها وهذه المسألة يختلف فيها الفقهاء أئمة الفتوى فذهب مالك إلى ما ذكرنا ها هنا وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد والأوزاعي كلهم يقول إذا خرج وقد بقي عليه من الوقت شيء أقله ركعة قصر ومن قدم وقد بقي عليه من الوقت مثل ذلك أتم
¥