بادعاء أنه بإذن الله وأمره متناسين بأن علم الله وقضائه وقدره عام في كل شيء , وهذا من قواعد الإيمان , والتوفيق بيد الله , فسبحان من أعمى بصائر هؤلاء القوم وحال بينهم وبين قلوبهم حتى تركوا المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك , ووقعوا في بنيات الطرق , نسأل الله العافية، أن يختم لنا بالحسنى.
الفصل الحادي عشر
قوله بالتصوف الباطني الفلسفي، و اعتقاده أنه التصوف الحق، و أن معظم الصوفية لم يشموا له رائحة، لأنه لا يدرك إلا بالذوق، و غايته وحدة الوجود، مع جزمه بأن من لا يعتقدها فلا إيمان له
كتب أبو البيض إليَّ مرارا يقول بأن التصوف نوعان: تصوف سُني أخلاقي، و هو ما عليه معظم الصوفية، و لكن التصوف الحق هو التصوف الباطني الذي لا تعلق له بالعمل و السلوك؛ بل هو عناية ربانية، و جذب إلاهي، و أصحابه لا يكونون مقلدين أبداً؛ لأنهم يأخذون عن الله مباشرة، و لا يكون القطب إلا منهم، و القطبانية درجة في غاية السمو، و أشار إليها قائلهم، و هو ابن العربي الحاتمي المرسي: [المتقارب]
مقام النبوة في برزخ ** فُوَيْقَ الرسول و دون الولي
و سمعت أبا البيض يقول و قد كتب به إلي أن الإمام شمس الدين السخاوي تلميذ الحافظ ابن حجر ألف كتابا في مجلد ضخم سماه: (القول المنبي، بترجمة ابن العربي)، [و الكتاب مخطوط، و تحت اليد صورة منه، و هو قيد التحقيق، فقد أنجزه الأخ الباحث المغربي خالد مدرك البيضاوي منذ سنوات] أورد فيه تراجم مختصرة لنحو مائة و أربعين عالما و إماما و شيخا صوفيا يورد في كل ترجمة فتوى في تكفير ابن العربي أو تفسيقه مع ذكر الدليل على ذلك من كلامه، و فيهم كثير من شيوخ الزوايا و رؤساء الصوفية بمصر و الشام و اليمن و المغرب، قال الشيخ أبو البيض: هؤلاء كلهم لم يعرفوا التصوف و ما شموا له رائحة على حد تعبيره، و أذكر أنه نقل في كتابه (المؤذن، بأخبار الشيخ أحمد بن عبد المومن)، و هو مخطوط و أصله بخط المؤلف بالخزانة العامة بالرباط، كلاما عن ابن عبد السلام الناصري في كتابه (المزايا، فيما أحدث من البدع بأم الزوايا)، و قد طبع الكتاب بالرباط مؤخرا، كلاما قبيحا حول علي العمراني الملقب بالجمل، و هو شيخ العربي الدرقاوي، و ما كان يقوم به هو و أصحابه من أمور مستنكرة، و أحوال مستقذرة، بمدينة فاس، حتى كان بعض شيوخه –أعني الناصري- يستعيذ بالله من رؤيته، و بعد أن ذكر أبو البيض هذا تعبقه برد قاس صرح فيه بأن تلك الأحوال التي لم يستسيغها ذوق الناصري هي أحوال أهل الله حقا، و أن الجمل و أصحابه هم الأولياء، أما الناصري و قبيله فبعيدون عن الولاية، في كلام من هذا القبيل، و أبو البيض يعني ما يقول و يؤكده، و يتبنى كل ما ذكره إمامه الأكفر ابن العربي في فتوحاته وفصوصه، اللذين جمعا من ألوان الكفر و الإلحاد ما تفرق في غيرهما، و لله در الإمام جمال الدين عبد الله بن هشام الأنصاري المصري صاحب المؤلفات السائرة في النحو كالمغني و أوضح المسالك، و قطر الندى، و شذور الذهب، الذي كتب على نسخة من (الفصوص) بعد قراءته: [مجزوء الكامل]
هذا الذي بضلالهِ ** ضلّتْ أوائل مَعْ أواخرْ
من ظنّ فيه غير ذا ** فَلْيَنْأَ عَنِّي فَهْوَ كافِرْ
و ابن العربي يصرح بأن الأديان كلها صحيحة مقبولة، و أنه يدين بها، و أن أصحابها لا يعبدون إلا الله، و هو بهذا سبق دعاة توحيد الأديان، أو وحدة الأديان بمآت السنين، و من غريب المفارقات أن أبا البيض ينقم على عدد من المعاصرين دعوتهم إلى توحيد الأديان الثلاثة: اليهودية، و النصرانية، و الإسلام، في وضعها الحالي باعتبارها أديان توحيد في الأصل، و إلى هذا ينحو الآن معظم الدعاة الإسلاميين الداعين إلى التعايش السلمي، و كان من الواجب على أبي البيض أن يؤيدهم و يدعو إلى ما يميلون إليه، و كيف لا و إمامه ابن العربي يرفع عقيرته بالأبيات السائرة كما في ديوانه: [الطويل]
لَقَد كُنتُ قَبلَ اليَومِ أنكِرُ صاحِبيِ ** إذا لَم يَكُن ديني إِلى دينِهِ داني
وَقَد صارَ قَلبي قابِلاً كُلَّ صورَةٍ ** فَمَرعَى لِغزِلانٍ وَدَيرٌ لِرُهبان
وَبَيتٌ لِأَوثانٍ وَكَعبَةُ طائِفٍ ** وَأَلواحُ تَوراةٍ وَمُصحَفُ قُرآنِ
¥