تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان هذا قبل أن أطّلع على معظم تآليفه، و كنت قلت للشيخ حمدي عبد المجيد السّلفي لما سألني عن ترجمة مُوجزة لأبي البيض، بأنه يتشيع و يقف على عتبة الرفض، و قد تأكدت اليوم بأنه غارق في التشيع إلى النخاع، و في الرفض إلى الذقن، و معلوم لغة و اصطلاحا أن التشيع هو: الانتصار و المتابعة و الموافقة بالرأي، و شيعة الرجل أعوانه و خاصته، و قد كان علي رضي الله عنه محل تجلّة و احترام من الصحابة رضي الله عنهم على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، لما يعلمون من علمه و فضله و سابقته و قرابته و مصاهرته للنبي، و لكن هذا كله لم يكن ليحول بينهم و بين اختيار الصحابة أبا بكر للخلافة، و دخول علي رضي الله عنه فيما دخلوا فيه مختارا خصوصا بعدما سمعوه يتوعد من يقدمه على من قبله من الخلفاء الثلاثة، بحده حد المفتري، و يعلن مرارا و تكرارا على منبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم في مختلف المشاهد أن أفضل الناس بعد النبي أبو بكر وعمر.

و من عجائب المقدور، و غرائب المسطور، أن يوجد هذا التفضيل و هذا الثناء في مصحف الشيعة المزيف (نهج البلاغة) لأمر أراده الله، و لتقوم الحجة على الروافض من كلام معبودهم، و الجدير بالذكر أنني سألت أبا البيض عن هذا الكتاب "نهج البلاغة"، فأخبرني مشافهة أنه صحيح، فقلت له بأن جمهور العلماء يطعنون فيه، فقال: إن روحانية لغته تدل على صدقه!!

ثم تطورت الأحوال، و تراكمت الأهوال، بعد مقتل الشهيد المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، و نجمت الفتنة بذرور قرنها عبد الله بن سبأ اليهودي اليمني المعروف بابن السوداء الذي أظهر الإسلام و اندسّ في المسلمين للكيد و الفرقة، و بذر بذور الكفر و الإلحاد، فأظهر أولا التشيع الغالي، ثم ادعى عصمة علي، ثم اختلق فرية الوصية، ثم ادعى في علي الألوهية، و بلغ ذلك عليا فنفاه إلى المدائن، و ليته قتله، و لكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا، و لم يكف المجرم الضليل عن كيده المدروس المبيت، فلبث يدعو إلى أفكاره الهدامة، و مزاعمه الكفرية و تبعه فئام من الناس ممن غلبت شقوتهم، و فسدت فطرتهم، و انتشر هذا البلاء حتى صارحوا بذلك عليا، فاستعظم الأمر جدا، و أمر بإحراقهم أحياءً، فقالوا له: الآن علمنا أنك ربنا لأنه لا يعذب بالنار إلا ربها، و أمر علي مولاه قَنْبُر بإشعال النيران، و قذفهم فيها و أنشد: [رجز]

لما رأيت الأمر أمرا منكرا ** أجّجتُ ناري و دعوت قنبُرا

و أنكر ابن عباس رضي الله عنهما على علي إحراقهم بالنار أحياءً لنهي النبي صلى الله عليه و آله وسلم، و لكن الأمر كان نفذ، و انتشرت من يومئذ الأفكار السبئية المنحرفة و تبنّاها الروافض، وتفننوا في الانتصار لها و الدعوة إليها، و وضع الأحاديث و الآثار في تأييدها، حتى أصبحت الوصية و العصمة و التقية و البداء و الرَّجعة، و اعتقاد تحريف القرآن من ضروريات دينهم، وسكتوا عن دعوى الألوهية و اعتاضوا عنها بالغلو البليغ، و الإطراء المحرم، و قد اختلف العلماء في تعريف جامع مانع للشيعة، فقالوا أقوالا لا تثبت على النقد، و أحسنها و أجمعها قول أبي محمد ابن حزم رحمه الله كما في الفِصَل: من وافق الشيعة في أن علياً رضي الله عنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحقهم بالإمامة وولده من بعده فهو شيعي وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون فإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعياً. و هذا كما ترى منطبق على أبي البيض؛ بل زاد غلوا و إفسادا في عقيدته نحوه: فهو عنده يعلم الغيب كله، و أنه إمام الأولياء والعارفين كلهم، و أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم اختصه بالمعارف الإلهية، و عهد إليه سبعين عهدا لم يعهدها إلى غيره، و أنه باب مدينة العلم اعتمادا على حديث موضوع ألف أبو البيض جزءا في تصحيحه عبثا، و أنه رضي الله عنه خلق و النبي من نور واحد، إلى غير ذلك من أمارات الغلو التي تنادي على صاحبها بالتشيع و الرفض، و يرى القارئ أضعاف هذا في (البرهان الجلي)، فقد نقل فيه عن غلاة الصوفية المتأخرين ما يوازي فضائح الروافض، و رحم الله الإمام أبا زرعة الرازي، فقد نقل عنه الخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" قوله: «إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير