أبْرا إلى الله من قوم فعالهمُ ** هذا و عن ذمهم –ما عشتُ-لم أَتُبِ
و له أيضا رحمه الله:
يا سالكي سبل العدوان و التُّهَمِ ** و تابعي نِعم الرحمن بالنِّقَمِ
و تاركي سبل المعروف عافية ** و آخذي طرق الخذلان و الندم
ألبستمُ الدين عاراً من فعالكمُ ** ما ليس يحسن من عُرْب و من عجم
سميتم الدين من لهو و من لعب ** ديناً و قُرْبى إلى الرحمن ذي الكَرَمِ
يا مشبهي حُمُر الصحراء رامحة ** لما تملت من الخضراء و الدِّيَمِ
هل كان فيما مضى من فعل سيدكم **ضرب القضيب و رفس الأرض بالقدم
كلا و من نظر الأشياء مقتدرا ** إلا الصيام و حجّ البيت ذي الحرم
ثم الصلاة و إيتاء الزكاة معا ** ثم القيام لرب العرش في الظُّلَمِ
ثم الجهاد و تعليم الفروض و ما ** يحتاجه الناس من فعل و من كلم
أجعلتمُ قصة الحُبْشان حُجتكمْ ** و لم تَعُوجوا على الأحكام و الحِكَمِ
هلا اعتبرتم بما سَمتْه أمكمُ ** إن كنتم من بنيها يا أولي التهم
و لم يكنْ فعلهم شبْهاً لفِعْلِكُمُ ** لكنكم زدتمُ بالأكل و البشم
جعلتموه لأكل الخبز مصيدة ** و للفساد مع الأشرار و الخدم
جعلتمُ الشيخ هاديكمْ فقادكمُ ** إلى الضلال و كنتمْ من أولي البكم
الفصل الثامن عشر
احتجاجه بالأحاديث الموضوعة و الواهية مع معرفته بها،
و قد استكثر من ذلك في كثير من مؤلفاته
ذلك أن الرجل –أبا البيض- يغلبه هواه، فيذكر ما تيسر عنده لدعم رأيه أو بدعته، بقطع النظر عن رواية الحديث و درجته، و لا يكلف نفسه بحثا و لا مراجعة، و ربما تناقض في ذلك فيوهن ما يحسنه أو يضعفه، و يوقعه في هذا حب الاستكثار، و اغتنام الوقت في التأليف و لو على حساب الحق.
و أمر آخر و هو أن أبا البيض، أصَّل أصلا عجيبا انفرد به بين العلماء، و قد شافهني به حينما سألته عن إيراده الأحاديث الموضوعة في كتابه "مطابقة الاختراعات العصرية" فقال لي: هذه الأحاديث لا تحتاج إلى أسانيد و لا نقد، لأنها مطابقة للواقع، و الواقع يشهد لها، و تابعه على هذا الصنيع شقيقه عبد العزيز في "الأربعون العزيزية "، و عهْدي بالشيخ أبي البيض يستنكر صنيع المحدثين القدامى في روايتهم الأحاديث و الآثار، أو إيرادهم إياها في مصنفاتهم بالأسانيد، وسكوتهم عليها، و قالوا في الاعتذار عنهم: (من أسند لك فقد أحالك)، و هذا غير مسلم، و إن جرى به عملهم، لأن الأمر يتعلق بصميم الدين و العقيدة، و هو النقل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الحكاية عنه، و قد قال صلى الله عليه و آله و سلم: "إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد، ومن كذب عليَّ فليلج النار "، و في رواية مسلم: "فليتبوأ مقعده من النار "، و قد تواتر هذا اللفظ: "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".
و الحديث الفصل في هذا الباب الذي سدّ الأبواب و المنافذ؛ إلا على من لا يخشى الله تعالى، هو قوله عليه الصلاة و السلام: "من حدث عني بحديث يَُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" رواه مسلم، لا سيما على رواية (يُرى) بالبناء للمجهول، و من شأن هذا أن يقلق راحة المؤمن، و يقض مضجعه فلا يحدث عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلا بما يتيقن أنه صحيح، و لكن الأمر –مع الأسف الشديد- بخلاف ذلك فلا تكاد تجد من يتحرى في التحديث إلا الفرد بعد الفرد، و قد كانوا يتهيبون الحكم على الحديث بالضعف، أفلا يتهيبون الحديث عنه عليه الصلاة و السلام بما يجدون!؟ ثم إن آفة أبي البيض أنه كان يعتمد على ذاكرته و محفوظه، فيذكر ما يجد، فيقع في أخطاء في العزو و الألفاظ، و كان يعيب ذلك على شيخ الإسلام ابن تيمية، و لكن الفرق بين الرجلين أن ابن تيمية أحفظ بمراحل، و هو يتحرى فلا يحتج بحديث واه أو موضوع و يسكت عنه و هو يعلم، بخلاف أبي البيض فحسبه نصرة هواه، و قد ذكر الأخ مصطفى باحّو السفياني في "تنبيه القاري" أكثر من ثلاثين حديثا احتج بها أبو البيض و هي موضوعة لا تخفى عليه، فوقع تحت طائلة الحديث الصحيح السابق "من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين"، نعوذ بالله تعالى من هول البلاء، و نسأله الصون والحفظ.
و هذه أحاديث احتج بها أبو البيض لم يذكرها السفياني، و لم أستقص، و فيها ما حاول أبو البيض تصحيحه عبثا:
¥