تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما انتصاره للقول بالبدعة الحسنة فلا يحتاج إلى استدلال، لأنه زاول ذلك عمره كله علنا، و هذه الزاوية و الطريقة الصوفية و اعتباره إياها من الدين، و أنها مقام الإحسان!؟ بل و نقل في "البرهان الجلي" عن جده لأمه أحمد ابن عجيبة أن جبريل عليه السلام نزل أولاً على النبي صلى الله عليه و آله و سلم بالشريعة، ثم نزل مرة ثانية عليه –عليه الصلاة و السلام- بالحقيقة، و هكذا يكذبون على الله تعالى وملائكته و رسله دون خوف و لا وجل، و هذا القول ذكره ابن عجيبة في أوائل شرحه للحِكم كما سبق، و قد تبنى أبو البيض كأبيه وجده و سائر الطرق الصوفية الشاذلية بالمغرب و غيره جميع بدع الطرق من: الذكر جهراً بالشوارع و الأسواق، و الذكر بالإسم المفرد بعد الصلاة، و لا سيما ما يُسمى ب "الحُلل"، و هو ذكره بتمديد و تمطيط بليغ مع الألحان، و تنتهي للقيام للرقص، و التسول والتكفف الفاضح لحساب الشيخ و الزاوية، مع الذكر جهراً في الأسواق، و ما يسمى "السياحة"، و هو خروجهم وحدهم أو مع مشايخهم إلى القبائل و القرى حيث يوجد المَريدون لسلبهم أموالهم، و لا سيما قبل عيد الأضحى، فيرجع الشيخ بقطيع من الماشية، و استعمال السُّبح و التفنن في أشكالها و حملها في الأعناق، و فيها من السخف و الشهرة ما يستعاذ بالله منه، و يلاحظ أن الغماريين لا يحملون السُّبح لا في أيديهم و لا في أعناقهم، و إنما يأمرون بها مَريدهم، و لعل في ذلك دسيسة، كالذكر جهراً في الأسواق، فإني لا أعرف أحدا منهم يفعل.

و من الطرائف أن درقاويا كان بتطوان يصيح في الشوارع بالذكر و يمزجه بالشرك بذكر مولاي عبد السلام (مولى التشتة و المقامْ، و النسخة و عرفة كل عام)، و ينهي ذكره بقوله: يا قوي يا معين الخ حتى لقب به، و لا حظنا عجباً و هو أنه إذا خرج من دكانه "بالخرازين" و شرع في الذكر اجتمع عليه الكلاب ينبحون مساوقة مع ذكره، و ربما جاءه الأطفال و أخذوا بعصاه الغليظة فلقنهم الذكر بالاسم المفرد و الرقص، و سألني مرة و أنا بالخرازين عن هذه الظاهرة، و هي نباح الكلاب مع الذكر، فأجبته بأن هذا الذكر بالجهر في الشوارع بدعة لا تجوز، و الملائكة لا تحضر مع الكلاب، فرد عليَّ بأنه سأل صهري الفقيه التجكاني –و هو درقاوي جلْد و ابن عمة أبي البيض- فأجابه بأن تلك الكلاب فقراء يذكرون الله معك؟! و شكى إليه مرة إسكات البوليس له في الأحياء الجديدة و لا سيما في أبواب الإدارات، و تهديدهم له، فحثه على الذكر هناك و عدم المبالاة بتهديدهم، و لما أخبرني بذلك هذا المَريد، قلت له: ارجع إلى الفقيه، و اطلب منه أن يخرج معك للذكر في الأسواق و على أبواب الإدارات في الشارع الأوربي، فإذا فعل ذلك خرجت معكم أنا أيضا، قل له هذا، و أنا أعلم أنه لن يفعل أبدا، و إنما يدفعون هؤلاء الأغمار لهذه الأعمال المبتدعة، و المزرية بالدين، و يقبعون هم بزواياهم يسخرون منهم، و قد حدثتني حماتي بواسطة ابنتها أن والدها الشيخ محمد ابن الصديق والد أبي البيض أمر عدداً من أعيان مريديه من أهل طنجة أن يقطعوا جلابيبهم من الوراء، و يرقعوا مكان القطع بقطع مغايرة، و يخرجوا بذلك، أمرهم بذلك و فعلوه إلا هو، تواضعا و قهرا للنفس و إهانة لها حتى يتم الانتصار عليها و تذليلها. و هناك الولاية و الخصوصية زعموا.

و قبل هذا أمر البوزيدي و هو صوفي غماري عامي تلميذه أحمد ابن عجيبة و هو عالم أن يتسول بأبواب المساجد بتطوان، و لا سيما يوم الجمعة حيث يكثر المصلون و تزدحم المساجد، كما أمره أن يلبس المرقعة، و يكنس الشوارع قهرا للنفس و إذلالا لها، إلى غير ذلك من البدع القبيحة.

و قد ألف شقيق أبي البيض عبد الله رسالة في الانتصار للقول بالبدعة الحسنة في الدين، سماها: "إتقان الصنعة، في تحقيق معنى البدعة"، فتح الباب فيه على مصراعيه للمبتدعة، و هون من شأن البدع، و أجاز جل ما يفعله المتصوفة الدجالون، و الطلبة المتأكلون من إقامة الليالي و قراءة القرآن بالأجر الخ، بدعوى أن هذه الأمور كلها تندرج تحت أصل عام، ألا و هو الذكر و التلاوة، كبرت كلمة تخرج من فيه إن يقول إلا كذبا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير