تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

* أما مسألة إنكار أبي البيض للقياس فهي ثابتة عنه صرح بها في غير مناسبة، و من ذلك قوله في رسالة إلى أبي الفتوح دون تاريخ: ... و قوله تعالى: (فلا تضربوا لله الأمثال) يدل على منع القياس، كما قال ابن حزم، لأن الأمثال هي الأشباه كما شبه الكفار النبي صلى الله عليه و آله وسلم بالساحر و الشاعر، (و قال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحوراً، انظر كيف ضربوا لك الأمثال .. ) و القياس هو تشبيه حكم بحكم ..

و قال في رسالة أخرى له دون تاريخ بعد أن أطال في إبطال التعليل، و ما يسمى الآن مقاصد التشريع: هذا كله عندنا باطل لا أصل له، و تخمين مجرد، و العلة في التشريع لا يعرفها إلا الشارع، ما لم ينص عليها أو تكون لا خفاء بها، و القياس و مسالك العلة من ذلك النوع.

و لأبي البيض كلام طويل في إبطال القياس أورده تلميذه أبو الفتوح من كلامه في "در الغمام الرقيق"، و هو طويل صريح في الإبطال و السخرية من القائسين، و الرد على ابن حزم طريقته في إبطال القياس. و الصواب أن ذلك ليس من القياس، و إنما هو من فحوى النص.

و لا نعلم اليوم من يقول بقول أبي البيض دون أن يعرفه إلا الشيخ مقبل الوادعي اليمني، فإنه يصرح بذلك في كتبه مراراً، و الحق –إن شاء الله- أن القياس المستوفي للشروط واقع لا بد منه، و وقع اتفاق المحققين من علماء الأصول عليه إلا من شذ من الظاهرية و نحوهم، و قد اضطر ابن حزم رحمه الله على شدته في إنكار القياس و التعليل إلى ارتكابه بدعوى أنه فحوى النص لا القياس، فيكون الخلاف لفظيا، أما القياس الخفي مع استنباط العلة بتكلف و تمحل فهذا هو الجدير بالإنكار و الرد، و من الجدير بالذكر أن الناصح ابن الحنبلي رحمه الله ألف كتابا جيدا في "أقيسة النبي صلى الله عليه و آله و سلم" أبلغها إلى مائتي مسألة، استعمل فيها النبي صلى الله عليه و آله و سلم القياس الواضح، بحيث لو وقف عليه طالب الحق المنصف لجزم بصحة القياس و وقوعه في الفقه الإسلامي، و الله الموفق.

الفصل العشرون

وقيعته في كثير من علماء الحديث، و السلف الصالح، و لا سيما

شيخ الإسلام ابن تيمية و تلامذته و أنصاره، و تنفيره المسلمين من كتبهم، و أنها وحدها سبب الضلال!؟

إن أمر هذا الرجل –أبي البيض- لَجِدُّ غريب، فقد انفرد بين من عرفنا من العلماء قديما وحديثا بنفسية معقدة، و عقلية خرافية مضطربة، لا تستقر على حال، و هو في نقده للعلماء والرواة أسير هوى جامح، لا يكاد يسلم منه، فهو يتناول بنقده الجارح و نقمته الصارمة البلاد، والمذاهب، و الطوائف و الأفراد، خصوصا الشام و نجدا و المغرب، فلا تكاد تذكر هذه البلاد حتى تثور ثائرته، و ربما فقد صوابه، فأعلن بالشتائم البليغة ضاربا ما ورد في فضائل الشام من الأحاديث الكثيرة عُرض الحائط زاعماً أنها كلها مختلقة مضطربة بأمر معاوية الكافر المنافق، و ما ذاك إلا لأن الشام مباءة النواصب أعداء الله تعالى و رسوله و أهل بيته، و أن هذا العداء يجري في عروقهم، ويتخلل طبائعهم فلا يمكنهم الانفكاك عنه، و هو في كل هذا يغض الطرف عن المآت بل الآلاف من أهل العلم و رواة الحديث و أئمة الفقه، و فيهم من حفاظ الحديث و الآثار من لا يأتي الزمان بمثلهم، كما يُعلم من كتب التراجم و الطبقات، و هذا تاريخ ابن عساكر و هو يناهز المائة مجلد ضم جمهرة كبرى من الأحاديث المروية بأسانيد الشاميين بحيث لا توجد عند غيرهم، فهل نرمي بهذه الأحاديث و الآثار و نجرح رواتها من زمن الصحابة إلى هلم جراً، لا لشيء إلا لأنهم نواصب أعداء آل البيت و مبغضو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، و مبغضوه منافقون كما في الحديث، ولا يستنكر في هذه الحال الحكم على الضمائر و النيات، و الهوى غلاب كما قيل.

أما إذا بلغ الأمر إلى المقادسة سكان صالحية دمشق، و فيهم بنو قُدامة، و هم أساطين المذهب الحنبلي، و حفاظ الحديث و رواته، فإن أبا البيض سُرعان ما يكفهر جَوُّه، و يقيم صحوه، و يستوفز للوقيعة و النزال، فلا تسل عن الولوغ في الأعراض، لشفاء الغيظ و تحقيق الأغراض، ولا يعف الشيخ حتى عن الإمام الصابر المجاهد أحمد بن حنبل فقد رماه بالنصب و البلادة، و أنه يؤمن بالبعض و يكفر بالبعض.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير