تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال أبو أويس: قراءة هذا الكلام كافية للرد عليه، نعم قوله فيها لتلميذه أبي الفتوح: لا تعرف أن تأخذ منها فائدة. صحيح جدا لأنه يعرفه بليد الطبع، فاتر الذهن، ضعيف الإدراك، و إنما هو فارس المنامات، و الكرامات و المعجزات، هذا ميدان تخصصه، و إن تعجب فعجب قوله عن كتب ابن تيمية أنه يقرؤها فلا يخرج منها بفائدة، و هذا يدل على صحة ما قلت من أنه لم يقرأ منها إلا أقلها، و لم يكن طبع منها إلا العشر، و قد بلغت الآن أكثر من مائة بين صغير و كبير، و ما زالت الأيام تكشف منها عن عيون تقر بها عيون الموحدين، و تطمئن لها ضمائر العلماء المخلصين المنصفين الباحثين، و أبو البيض يتناقض كشأن المبتدعة، فقد مدح في كتبه ك: "الاستنفار، لغزو التشبه بالكفار"، و قد طبعه أبو الفتوح: كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم، مخالفة أصحاب الجحيم" مدحا عاطرا، و صرح أنه لم يؤلف في موضوعه مثله، و تراه هنا يقول ما سبق، فقبح الله من لا يستحيي.

خاتمة:

بعد هذه الطرر النيرة، و الفصول الدامغة، التي هي كفيلة بإقناع من يتحلى بالإنصاف، ويتجنب الشغب و الاعتساف، أن أبا البيض يتأرجح أمره بين الكفر و الجحود، و الفسق والضلال، و يعجبني في هذا الصدد مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه و طيب ثراه، وهو الإمساك عن الجزم بالتكفير للجهل بمصير المردود عليه، فلعله يُوفق للتوبة و الإيمان في آخر عمره، و لا ندري بماذا ختم له، و إن كانت هناك أمارات تدل على سوء خاتمة أبي البيض، وأمره إلى الله، فالصواب الحكم على الأعمال و الأقوال الثابتة مع محاولة التجرد و الحياد، وعدم التأثر بالهوى و العاطفة.

و يعلم الله تعالى أنني بذلت جهدي في التحري و الاحتياط، و البحث و المقارنة و الدرس، و أنا أعلم أنني لم أستوعب، لأن أبا البيض كان ذا جلد كبير على الكتابة، فرسائله لأصحابه و من يسأله تعد بالمآت؛ بل سمعت أن رسالاته لشقيقه عبد العزيز فقط بلغت ألفا، و ليست –بلاشك- كلها علمية، ثم إنني أسجل هنا أنني كنت أقدّم رِجلا و أؤخر أخرى في كتابتها و تتبعها لعدم استطاعتي القيام بطبعها، فلا معنى لكتابة شيء و تركه على الرّف كما حصل لي في الرد على الكرفطي في مسألة رؤيا الله في المنام الذي لم ير النور إلا بعد أربعين سنة بينما أبو الفتوح يجمع من (فتوح) الأنعام ما يمكنه من الطبع، و هؤلاء من رواد الزاوية، و أنا أصرح في خطبي الجمعية ودروسي و كتاباتي أن المقهى إذا كان خاليا من الخمر و القمار، أفضل و أزكى من الزاوية، و قد انتقدني بعضهم في تطوان لما سمع مني هذا فلما ذاكرني أقنعته فوافقني، و هذا واضح لأن المقهى ليس فيها إلا شراب العصائر و الشاي و الحديث الخاص بين الناس، و الزاوية كمسجد الضرار بنيت للبدعة و نصرتها، و هي خاصة بحزب دون حزب، و تكون في الغالب مقبرة أو مشتملة على قبر يُعبد من دون الله، و تقام فيها طقوس يبرأ منها الإسلام كالرقص اليهودي و السماع الذي يمجد وحدة الوجود و أصحابها، ثم إن أبا الفتوح إليه يرجع أمر إحياء هذه الفواقر بسبب ما قام به من تشجيع زعنان زُحار البريجي الكُونْطَبْلي المحدث المؤلف المخربق على سبي و شتمي، و أوحى إليه بكل ما يتعلق بذلك، مع تبرعه بطبع كتابه المردود عليه، و ذلك لحاجة في نفس يعقوب، و قد ساورني هذا الخاطر قديما حينما كان أبو الفتوح يقوم بالنميمة بين أبي البيض و إخوته، و يبذل في ذلك أقصى جهده تنفيذا لوصية أبي البيض التي أبان فيها عن حقد أسود، و بغض فريد، لا أعرف مثله في أرباب زوايا المغرب و مشايخ طرقه، و كان أبو الفتوح يعلم ما تفعله رسائله في نفس شيخه و هو مريض جدا، و الأطباء ينصحونه بعدم الانفعال لما فيه من الخطر عليه، و قد سبق أنني سمعت إبراهيم أصغر إخوة أبي البيض و كان يلازمه يذكر أن أخاه كان يتماثل للشفاء فإذا وصلت رسالة أبي الفتوح انتكست صحته، و أشرف على الموت، كما أخبرني أنه تبرم في شهوره الأخيرة من الكرفطي و أخبرهم أنه لا يخلص له، و إنما هو نفعي يعمل لمصلحته، و كان يأمل من شيخه أن يستقدمه إلى القاهرة ليعمل معه في دار الحديث الخرافية، و بذلك يتيسر له الحج و غيره، و لكن تبخرت هذه الآمال، فيئس الكرفطي و استعجل موت شيخه ليقوم بادعاء المشيخة،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير