هذا قول إبراهيم والشعبي وأبي العالية وجماعة من العلماء بتأويل القرآن
وقد قرئت (للذكرى) على هذا المعنى وكان بن شهاب يقرؤها كذلك
وقال مجاهد وأقم الصلاة لذكرى أن يذكر فيها قال فإذا صلى عبد ذكر ربه
24 - مالك عن زيد بن أسلم أنه قال عرس رسول الله ليلة بطريق مكة ووكل بلالا أن يوقظهم للصلاة فرقد بلال ورقدوا حتى استيقظوا وقد
الاستذكار ج:1 ص:90
طلعت عليهم الشمس فاستيقظ القوم وقد فزعوا فأمرهم رسول الله أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي وقال ((إن هذا واد به شيطان)) فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي ثم أمرهم رسول الله أن ينزلوا وأن يتوضؤوا وأمر بلالا أن ينادي بالصلاة أو يقيم فصلى رسول الله بالناس ثم انصرف إليهم وقد رأى من فزعهم فقال ((يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها فليصلها كما كان يصليها في وقتها))
ثم التفت رسول الله إلى أبي بكر فقال ((إن الشيطان أتى بلالا وهو قائم يصلي فأضجعه فلم يزل يهدئه (1) كما يهدأ الصبي حتى نام)) ثم دعا رسول الله بلالا فأخبر بلال رسول الله مثل الذي أخبر رسول الله أبا بكر فقال أبو بكر أشهد أنك رسول الله))
وقد ذكرنا هذا الحديث متصلا مسندا من وجوه كثيرة في ((التمهيد)) بمعان متقاربة
وفيها ما يدل على أن نومه عليه السلام كان منه مرة واحدة
ويحتمل أن يكون مرتين لأن في حديث بن مسعود أنا أوقظكم
وقد يمكن أن رسول الله لم يجبه إلى ذلك وأمر بلالا أن يوقظهم لأن في أكثر الأحاديث أن بلالا كان موكلا بذلك على ما في حديثي مالك
وفي بعض الأحاديث أن ذلك النوم كان منه - عليه السلام - زمن الحديبية وفي بعضها زمن خيبر وفي بعضها بطريق مكة
ويشبه أن يكون كل واحدا لأن عمرة الحديبية كانت زمن خيبر وهو طريق مكة لمن شاء ويجوز أن يكون غير ذلك والله أعلم
وأما قول عطاء بن يسار إن ذلك كان في غزوة تبوك فليس بشيء وأحسبه وهما والله أعلم
وقد ذكرنا الآثار بذلك في ((التمهيد)) وقد مضى معنى التعريس وكثير من معاني ألفاظ هذا الحديث فيما تقدم من القول في الحديث الذي قبله
وقوله في هذا الحديث ((فاستيقظ رسول الله وقد فزعوا)) تفسيره قوله فيه ((ثم
الاستذكار ج:1 ص:91
انصرف إليهم وقد رأى من فزعهم فقال يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا))
وهذا القول منه لما رأى من فزعهم دليل على أن فزعهم لم يكن من أجل عدو يخشونه ولو كان فزعهم من العدو كما زعم بعض أصحابنا ممن فسر الموطأ أن فزعهم كان من خوف العدو لما قال لهم هذا القول
والوجه عندي في فزعهم أنه كان وجلا وإشفاقا على ما قدمناه ذكره ولم يكونوا علموا سقوط المأثم عن النائم وعدوه تفريطا
فلذلك قال لهم - عليه السلام - ((ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة)) (1)
وقد ذكرنا الخبر بذلك فيما مضى من هذا الباب
وقد تقدم خروجهم من هذا الوادي وما ذهب إليه أهل الحجاز وأهل العراق في ذلك
وفي حديث بن شهاب ((فاقتادوا رواحلهم))
وفي حديث زيد بن أسلم ((فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي))
وهذا يحتمل أن يكون بعضهم اقتاد راحلته وبعضهم ركب على ما فهموا من أمره بذلك كله لأن في حديث بن شهاب ((فاقتادوا)) وفي حديث زيد بن أسلم ((فركبوا))
وليس في ذلك تعارض ولا تدافع وممكن أن يجري من القول ذلك كله
وفي رواية بن جريج عن عطاء بن أبي رباح في حديث نوم النبي - عليه السلام - عن صلاة الصبح في السفر قال ((فركع ركعتين في معرسه ثم سار ساعة ثم صلى الصبح))
قال بن جريج فقلت لعطاء بن أبي رباح أي سفر كان قال لا أدري
قال أبو عمر في سيره عليه السلام بعد أن ركع ركعتي الفجر أوضح دليل على أن خروجه من ذلك الوادي وتركه للصلاة كان لبعض ما وصفنا في الحديث قبل هذا لا لأنه انتبه حين بدا حاجب الشمس كما زعم أهل الكوفة لأنه معلوم أن الوقت الذي تحل فيه صلاة النافلة والصلاة المسنونة أحرى أن تحل فيه صلاة الفريضة
واختلف القائلون بقول الحجازيين فقال بعضهم من نام عن الصلاة في سفره ثم انتبه بعد خروج الوقت لزمه الزوال عن ذلك الموضع
¥