وإذا كان واديا خرج عنه لقوله - عليه السلام - اركبوا واخرجوا من هذا الوادي إن الشيطان هدأ بلالا كما يهدأ الصبي
الاستذكار ج:1 ص:92
قال فكل موضع يصيب المسافرين فيه مثل ما أصاب رسول الله وأصحابه في ذلك الموضع من النوم عن الصلاة حتى يخرج وقتها فينبغي الخروج منه وإقامة الصلاة في غيره لأنه موضع مشؤوم ملعون كما روي عن علي قال
((نهاني رسول الله أن أصلي بأرض بابل فأنها ملعونة)) (1)
وقد روي عن النبي ((لما أتى وادي ثمود أمر الناس فأسرعوا وقال هذا واد ملعون وقد روي أنه أمر بالعجين الذي عجن بماء ذلك الوادي فطرح))
وقال آخرون منهم أما ذلك الوادي وحده إن علم وعرض فيه مثل ذلك العارض فواجب الخروج منه على ما صنع رسول الله وأما سائر المواضع فلا
وذلك الموضع وحده مخصوص بذلك لأن الله تعالى قال وأقم الصلاة لذكرى
وقال رسول الله ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها))
ولم يخص الله ولا رسوله موضعا من المواضع إلا ما جاء في ذلك الوادي خاصة
وقال آخرون كل من انتبه من نوم أو ذكر بعد نسيان أو ترك صلاة عمدا ثم ثاب إلى أدائها فواجب على كل واحد منهم أن يقيم صلاته تلك بأعلى ما يمكنه في كل موضع ذكرها فيه واديا كان أو غير واد
وذلك أن الموضع الطاهر في واد تؤدى الصلاة فيه وسواء ذلك الوادي وغيره لأن قوله عليه السلام إن هذا واد به شيطان خصوص له لا يشركه فيه غيره لأنه كان يعلم من حضور الشياطين بالمواضع ما لا يعلم غيره ولعل ذلك الوادي لم يحضره ذلك الشيطان إلا في ذلك الوقت
وذكر إسماعيل في ((المبسوط)) عن الحكم بن محمد عن محمد بن مسلم قال ليس على من نام عن الصلاة في واد أن يؤخرها حتى يخرج من ذلك الوادي لأن رسول الله قال ((إن هذا واد به شيطان))
ولا يعلم الناس من ذلك الوادي ولا من غيره ما يعلم من ذلك رسول الله وقد قال ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول وأقم الصلاة لذكرى
قال أبو عمر الذي عليه العمل عندي وفيه الحجة لمن اعتصم به قوله - عليه السلام ((جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا)) (2)
ولم يخص واديا من غيره في هذا الحديث
الاستذكار ج:1 ص:93
وفي قوله عليه السلام ((جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا)) ما يبيح الصلاة في المقبرة والمزبلة والحمام وقارعة الطريق وبطون الأودية إذا سلم كل ذلك من النجاسة لأن قوله ذلك ناسخ لكل ما خالفه
ولا يجوز أن ينسخ بغيره لأن ذلك من فضائله عليه السلام وفضائله لا يجوز عليها النسخ لأنها لم تزل تترى به حتى مات ولم يبتز شيئا منها بل كان يزادا فيها
ألا ترى أنه كان عبدا غير نبي ثم نبأه الله ثم أرسله فصار رسولا نبيا ثم غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووعده أن يبعثه المقام المحمود الذي يبين به فضله عن سائر الأنبياء قبله
وفي كل ما قلنا من ذلك جاءت الآثار عنه عليه السلام قال ((كنت عبدا قبل أن أكون نبيا وكنت نبيا قبل أن أكون رسولا))
ومما يوضح ما قلنا أنه قد أخبر الله عنه في أول أمره أنه قال وما أدري ما يفعل بي ولا بكم الأحقاف 9
وقال ((لا يقل أحدكم إني خير من يونس بن متى)) (1)
وقال له رجل ما خير البرية فقال ((ذلك إبراهيم)) (2)
ثم شك في نفسه وفي موسى - عليه السلام - فلم يدر من تنشق الأرض عنه قبل
الاستذكار ج:1 ص:94
وقال له رجل أنت الكريم بن الكرماء فقال ((ذلك يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم)) (1)
ثم لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأخبر أنه يبعث المقام المحمود قال ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) (2)
فلذلك قلنا إن فضائله لا يجوز عليها النسخ ولا التبديل ولا النقص
ألا ترى إلى قوله عليه السلام ((أوتيت خمسا)) وقد روي ((ستا)) وروى فيه ثلاثا وأربعا وهي تنتهي إلى أكثر من سبع قال فيهن ((لم يؤتهن أحد قبلي بعثت إلى الأحمر والأسود ونصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت أمتي خير الأمم وأحلت لي الغنائم لم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأتيت الشفاعة وبعثت بجوامع الكلم وبينا أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت بين يدي وزويت (3) لي مشارق الأرض ومغاربها وأعطيت الكوثر وهو خير كثير وعذب ولي حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد نجوم السماء من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا وختم بي النبيون))
¥