قال أبو عمر روي عن النبي النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس من حديث عمر بن الخطاب وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وسعد بن أبي وقاص ومعاذ بن عفراء وغيرهم وهي أحاديث صحاح لا مدفع فيها إلا أن العلماء اختلفوا في تأويلها وفي خصوصها وعمومها واختلف العلماء في هذا الباب اختلافا كثيرا لاختلاف الآثار فيه
فقال منهم قائلون لا بأس بالتطوع بعد الصبح وبعد العصر لأن النهي إنما قصد به إلى ترك الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وذكروا مثل حديث الصنابحي وشبهه
قالوا فالنهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر هذا معناه لإجماع المسلمين على الصلاة على الجنائز بعد الصبح وبعد العصر إذا لم يكن عند طلوع الشمس ولا عند غروبها
الاستذكار ج:1 ص:112
قالوا وإنما خرج النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر على قطع الذريعة لأنه لو أبيحت الصلاة النافلة بعد الصبح وبعد العصر لم يؤمن التمادي فيها إلى حين طلوع الشمس وغروبها
هذا مذهب عبد الله بن عمر وقال به جماعة
ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن نافع أنه سمع بن عمر يقول أما أنا فلا أنهى أحدا يصلي من ليل أو نهار أي ساعة شاء غير ألا يتحرى طلوع الشمس ولا غروبها
وهو قول عطاء وطاوس وعمرو بن دينار وبن جريج
وروي عن بن مسعود نحوه
ومذهب عائشة في ذلك كمذهب بن عمر
وروى بن وهب عن بن طاوس عن أبيه عن عائشة قالت أوهم بن عمر إنما نهى رسول الله عن الصلاة أن يتحرى بها طلوع الشمس وغروبها
أخبرنا عبد الله بن أسد وعبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا إبراهيم بن جامع قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا عفان بن مسلم ومحمد بن أبي نعيم قال حدثنا بن وهب عن خالد فذكره
ومن حجة من قال بهذا القول حديث علي بن أبي طالب عن النبي قال ((لا تصلوا بعد العصر إلا أن تكون الشمس بيضاء نقية)) (1)
وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد
وهو مذهب زيد بن خالد الجهني أيضا لأنه رآه عمر بن الخطاب يركع بعد العصر ركعتين فمشى إليه وضربه بالدرة فقال له يا أمير المؤمنين اضرب فوالله لا أدعهما بعد أن رأيت رسول الله يصليهما فقال له عمر يا زيد لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما
وقد ذكرنا هذا الخبر وسائر أخبار هذا الباب في ((التمهيد))
وقد قيل إن النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر إنما هو إعلام بألا يتطوع بعدهما ولم يقصد الوقت بالنهي كما قصد الشروق والغروب بالنهي عن الصلاة فيهما
ألا ترى أنه جائز لمن جاء المسجد بعد صلاة العصر وهو لم يصل العصر أن
الاستذكار ج:1 ص:113
يتطوع بركعتين وبأكثر قبل أن يصلي العصر ثم يصلي العصر والشمس بيضاء نقية ولا يجوز ذلك في تلك الساعة لمن قد صلى العصر والصبح
وقال آخرون أما الصلاة بعد الصبح إذا كانت نافلة أو سنة ولم تكن قضاء فرض فلا تجوز لأن رسول الله نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس نهيا مطلقا إلا أنه موقوف على كل ما عدا الفرض من الصلاة لحديث أبي هريرة أن النبي قال ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس أو من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك) يعني الوقت
وممن قال بهذا مالك بن أنس وأصحابه وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه
قال أحمد وإسحاق لا يصلى بعد العصر إلا صلاة فائتة أو صلاة على جنازة
ومذهب مالك في ذلك هو مذهب عمر بن الخطاب وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وهم رووا عن النبي أنه نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وهم أعلم بما رووا
وحسبك بضرب عمر على ذلك بالدرة ولا يكون ذلك إلا عن بصيرة
وكذلك بن عباس روى الحديث في ذلك عن عمر عن النبي - عليه السلام - قال به علي ظاهره وعمومه
حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد حدثنا عفان حدثنا همام حدثنا قتادة عن أبي العالية عن بن عباس قال حدثني رجال مرضيون منهم عمر - وأرضاهم عندي عمر أن رسول الله قال لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس)) (1)
¥