وحتى متى ترضون بالخسف منهم وكنتم أباة الضيم عند التجارب
لكل قتيل معشر يطلبونه وليس لزيد في العراقين طالب ()
وتعتبر الزيدية حركة تصحيح في تاريخ الشيعة عموماً فحين اشتد على الذين ناصروا علياً ومن بعده الحسين وجدت أفكار جديدة نادى ببعضها أو بجلها المختار بن عبيد الثقفي بحجة مناصرته لولي دم الحسين محمد بن الحنفية. وقد تبلورت أفكار أولئك الذين يبثون أفكارهم في الظلام في الاجتماع على جملة عقائد:
أولها: أن الإمامة ثبتت بالوراثة لا بالاختيار, فعلي أوصي إليه بالذات من النبي ? , وعلي أوصى بها إلى الحسن, والحسن أوصى بها إلى الحسين, إلى آخر السلسلة التي تقر بها كل نِحلة من نِحلهم.
وثانيها: أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما تجاوزا على علي ? واغتصبا حقه بتقدمهم عليه وهم بهذا يستحقون اللعن والطعن.
ثالثها: أن الأوصياء معصومون عن الخطأ لأنهم في مقام تبليغ المعارف القدسية إلى الرعية.
رابعها: القول برجعة الأموات أو ما يسمى بالمهدي المنتظر في المذهب الشيعي حيث تدعي كل فرقة أن إمامهم لم يمت وأنه سيعود ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وهذه الفكرة ابتدعها عبدالله بن سبأ اليهودي حين قال في علي ?: انه لم يمت وان الرعد صوته والبرق تبسمه ().
وقالها المختار الثقفي في عودة محمد بن الحنفية الأبيات التالية:
ألا إن الأئمة من قريش ولاة الحق أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبر وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيب لا يرى فيهم زماناً برضوى عنده عسل وماء ()
هذه الأفكار هي التي اجتمعت عيها فرق الشيعة عامة ,مخالفة بذلك ما كان عليه أهل البيت رضي الله عنهم, مع أنه لا يصح أن يدعي أحد مناصرة أهل البيت وهو على خلاف ما يعتقدون , فكان لابد والحالة هذه من إمام يظهر من أهل البيت ليصحح هذا الانحراف الخطير, فكان المصحح هو الإمام زيد بن علي ? , وسنعرض فيما يلي لأهم الأفكار التي أتجه إلى تصحيحها:
أولاً: ولاية المفضول:
أول ما أتجه الإمام زيد إلى تصحيحه هو ما كان سائداً بين الشيعة من أن الإمامة لابد أن يتولاها أفضل الناس في زمانه, وأنها جزء من ميراث النبوة فقال: لا يشترط في الإمام أن يكون أفضل أهل زمانه, على ألا تتعارض مصلحته مع مصلحة المسلمين.
فهو وإن كان يعتقد أن علياً ? هو أفضل الناس بعد رسول الله ? لكنه كان يعتقد أن خلافة الشيخين أبي بكر وعمر صحيحة مستكملة لشروط الصحة, وكان يكن لها الاحترام والإكبار في نفسه, يشهد لهذا ما رواه عنه الشهرستاني بهذا الخصوص فقال:
(كان علي ? أفضل الصحابة ? - والكلام لزيد ?- إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها, وقاعدة دينية راعوها, من تسكين ثائرة الفتنة وتطييب قلوب العامة, فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريباً, وسيف أمير المؤمنين ? عن دماء المشركين لم يجف بعد, والضغائن في صدور القوم في طلب الثأر كما هي, فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل, ولا تنقاد إليه الرقاب كل الانقياد, وكانت المصلحة أن يكون القيام بهذا الشأن لمن عُرف باللين والتودد والتقدم بالسن والسبق في الإسلام, والقرب من رسول الله ? , ألا ترى أنه لما أراد أبو بكر في مرضه الذي مات فيه بتقليد الأمر إلى عمر بن الخطاب صاح الناس وقالوا: لقد وليت علينا فظاً غليظاً, فما كانوا يرضون بأمير المؤمنين عمر لشدته وصلابته, غلظته بالدين وفضاضة على الأعداء حتى سكنهم أبو بكر ?) ().
ونحن وان كنا نشك في صحة هذا الكلام إلى زيد بن علي ? بهذا اللفظ الذي اعتمده الشهرستاني وابن خلدون, لأن مضمونه غير متوافق مع ما كان يكنه الصحابة ? رضي الله عنهم لأهل بيت رسول الله ? من حب وإجلال, إذ كيف يصح القول بأن رغيتهم في الثأر من علي لم تهدأ وهو يصلون عليه في صلواتهم! وكيف لم ينسوا ثارات الجاهلية وهم الذين تربوا في مدرسة رسول الله ? وقد كان أحدهم يدخل في دين الله فلا يبث يوما ًواحداً حتى يخرج مقاتلاً أهله وعشيرته في سبيل هذه العقيدة التي آمن بها؟
يستخلص من كلام زيد بن علي هذا أمور:
أولها: أن زيداً كان يرى أن علياً ? أفضل من عامة الصحابة ? وأنه أفضل الناس بعد رسول الله ?.
¥