وأهل السنة أكبر الفرق الإسلامية ويمثلون جمهور المسلمين ويجمعهم القول بأن الإيمان قول وعمل ومعرفة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وأن خير الناس بعد رسول الله ? أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ().
(وكانت بداية إطلاق اسم أهل السنة في العصر العباسي الأول على كل من تمسك بالكتاب والسنة ووقف تجاه المعتزلة , وظلت الحال كذلك حتى اضمحلت أكثر الفرق الإسلامية فلم يعد هناك سوى الشيعة والسنة) () ().
ويذكر البغدادي أن أهل السنة أصناف عديدة () , فمنهم الذين أحاطوا العلم بأبواب التوحيد والنبوة وأحكام الوعد والوعيد والثواب والعقاب وشروط الاجتهاد والإمامة والزعامة وسلكوا في هذا النوع من العلم طرق الصفاتية من المتكلمين الذين تبرئوا من التشبيه والتعطيل ومن بدع الرافضة والخوارج والجهمية وسائر أهل الأهواء الضالة ومنهم أئمة الفقه من فريقي الرأي والحديث من الذين اعتقدوا في أصول الدين مذاهب الصفاتية في الله وفي صفاته, ومنهم الذين أحاطوا بوجوه القراءات ووجوه تأويلها على وفق مذاهب أهل السنة.
ومنهم الزهاد والصوفية الذين أبصروا فاقصروا واختبروا فاعتبروا ورضوا بالمقدور وقنعوا بالميسور ... كلامهم في طرفي العبارة والإشارة على سمت أهل الحديث ... لا يعملون الخير رياءً ولا يتركونه حياءً. ومنهم المرابطون في ثغور المسلمين في وجوه الكفرة ... ويظهرون في ثغورهم مذاهب أهل السنة والجماعة ...
ومنهم عامة البلدان التي غلبت فيها شعائر أهل السنة دون عامة البقاع التي ظهر فيها شعار أهل الأهواء الضالة ... (وهم الذين) اعتقدوا تصويب علماء السنة والجماعة في أبواب العدل والتوحيد والوعد والوعيد ورجعوا إليهم في معالم دينهم وقلدوهم في فروع الحلال والحرام ولم يعتقدوا شيئاً من بدع أهل الأهواء الضالة. وهؤلاء هم الذين سمتهم الصوفية حشو الجنة (انتهى) ().
وتميز أهل السنة ببعدهم عن الغلو وميلهم إلى الاقتداء الصحيح بما كان عليه سلف الأمة من وسطية واعتدال فهم لم يتشددوا تشدد الخوارج ولم يتنصلوا تنصل كثير من فرق الشيعة تحت غطاء التقية, واستطاعوا بوسطيتهم هذه أن يحفظوا لنا شعائر الدين الحنيف وأن ينقوها من الغلو المذموم.
وبوسعي أن أقول أن أهل السنة إذا ما قورنوا بغيرهم من فرق المسلمين فإنهم كانوا ولا يزالون يشكلون قوة كبرى تعمل على تثبيت كفة العقيدة الصحيحة إزاء التيارات المنحرفة.
مكانة الصحابة ? عند أهل السنة
تميز موقف أهل السنة والجماعة عن مواقف جميع الفرق الإسلامية في نظرتهم إلى الصحابة ? , فكل فرقة من تلك الفرق نراها قد نالت من الصحابة ? بطريقة أو بأخرى على التفصيل الذي ذكرناه سابقاً. فمنهم من اتهمهم بالارتداد عن دين الله تعالى, ومنهم من اتهمهم بالمكر والخداع والنفاق ومنهم من اتهمهم بتحريف القرآن, أو بممالئة الظالمين إلى آخر تلك الاتهامات, بينما يرى أهل السنة والجماعة أن الصحابة ? هم القدوة الحسنة وهم أشبه ما يكون بالمرآة التي تعكس للأجيال اللاحقة حياة رسول الله ?, وضعوهم في مكانهم الذي ارتضاه الله تعالى لهم من غير إفراط ولا تفريط, فلم يبالغوا فيهم ولم يدعوا فيهم العصمة ولا تلقي العلم اللدني عن الله تعالى, ولم يعلنوا مسؤولية التشريع واقفة عند حدودهم , بل هم بشر كسائر الناس سوى أن الله تعالى قد كرمهم بصحبة نبيه ? وشرفهم بحمل تعاليمه ونشر دعوته وتبليغها للعالمين, فهم حلقة الوصل فإذا انفصمت عن المصدر الرئيس للتشريع نكون قد فقدنا النبراس الذي نهتدي به.
لذا لم يفرط أهل السنة بحقهم ولم يتهموهم بالكفر والنفاق والإصرار على الكبائر, وفيما يلي تفصيل لهذا الإجمال.
يقول الإمام الطحاوي: (ونحب أصحاب رسول الله ? ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم, ولا نذكرهم إلا بخير وحبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان) ().
(فأهل السنة يوالونهم كلهم, وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها, بالعدل والإنصاف, لا بالهوى والتعصب, فإن ذلك كله من البغي الذي هو مجاوزة الحد) ().
(وأجمع أهل السنة على إيمان المهاجرين والأنصار من الصحابة ?) ()
(ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله ? وأزواجه الطاهرات من كل دنس, وذرياته المقدسين من كل رجس فقد برئ من النفاق) ().
¥