بعد أن عرفنا في الفصول السابقة عدالة الصحابة ? وأنها ثابتة عقلاً ونقلاً, وعرفنا مكانتهم عند الفرق الإسلامية البارزة, ووقفنا على أسباب اختلافاتهم وأنواعها, رأينا أن نعقد هذا الفصل للنظر في نتائج الطعن فيهم وبيان أن الطعن فيهم لا يقف عند حدودهم بل يتجاوز إلى أساسيات الدين, إذ ترى بعض الفرق الإسلامية أن الطعن في الصحابة ? مسألة سهلة لا يجب على المسلمين أن يعيروا لها بالاً, وترى أنها ربما كانت من المسائل التي يثابون عليها إذا هم خاضوا فيها عن اجتهاد واعتقاد ويرون أن هذه المسألة لا توجد تصادماً بينهم وبين عامة المسلمين الذين يكنون للصحابة كل إكبار واحترام. ومن هؤلاء محمد حسين كاشف الغطاء الذي دعا المسلمين إلى نبذ خلافات الفرقة ولم الشمل وتناسي مثل هذا الأمر البسيط (يعني سب الصحابة ?) فقال: (أما أولاً: فهذا ليس رأي جميع الشيعة, وإنما هو أمر فردي من بعضهم () وربما لا يوافق الأكثرون عليه, ... وثانياً: إن هذا على فرضه لا يكون موجباً للكفر والخروج من الإسلام بل أقصى ما هناك أن يكون معصية, وما أكثر العصاة في الطائفتين, ... وثالثاً: قد لا يدخل هذا في المعصية أيضاً ولا يوجب فسقاً إن كان ناتجاً عن اعتقاد, وإن كان خطأَ فان من المتسالم عليه عند الجميع في باب الاجتهاد أن للمخطئ أجر وللمصيب أجرين) ().
وليس هذا رأياً انفرد به محمد حسين كاشف الغطاء بل هو ما عليه جمهورهم إن لم أقل إنه من مستلزمات دينهم وأصوله الرئيسية.
وهكذا وبكل بساطة أصبح سب الصحابة ? مثوبة يتقرب بها إلى الله ?. أنما رأيهم فيمن يسب علياً ? والعياذ بالله من ذلك فهو عندهم ملحد كافر بالله العظيم فهم كما قال أحدهم: (ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا كما جعلت في قلوب المنافقين والملحدين فسبوا أول المؤمنين على متون المنابر علانية وجهرا وظلموا الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا ربنا إنك رؤوف رحيم) ().
ونحن إذ ننقل هذا الكلام لا نريد أن نهون من مسألة سب علي ? أبداً ... إنما نريد أن نبين تناقضهم لأنهم يرون أن من سب علياً فهو ملحد منافق في قلبه غل ومن سب سواه من الصحابة ? فهو مأجور على اجتهاده, علماً أن الجريمة واحدة, فالسباب حرام بكل صوره ورسول الله ? يقول: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) () , ومن تجرد عن هواه, وأخلص قلبه لله, أدرك أن مسألة الطعن في الصحابة ? مسألة كبيرة لها ما بعدها, وأنها تؤثر في إيمان المرء أيما تأثير, فماذا يبقى من إيمان رجل يدعي الإسلام إذا هو شك في نَقَلة الشريعة قرآنها وسنتها؟ ثم ما الذي يدعو المسلم إلى التحامل؟ وما الذي يجنيه من هذه التجارة؟! أهو الغيرة على أهل البيت والانتصاف لهم؟! أم هو الدفاع عن بيضة الدين؟! ولم أر في حياتي مظلوماً كف يده ولسانه ثم يأتي غيره لينتصف من ظالميه بعد أن تنازل صاحب الحق عن حقه, ولم أر ديناً تحمي حياضه بالشتم والسباب!.
لهذا فإن الطعن في الصحابة ? له نتائج خطيرة ومساوئ كثيرة يمكن أن نجملها فيما يلي:
أولاً: الطعن في صحة نقل القرآن
لقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم على محمد ? النبي الأمي وأمره بتبليغه للناس ولكي تكون المعجزة أكبر كانت البيئة التي عاش فيها رسول الله ? بيئة أمية.
وتلقى رسول الله ? هذا القرآن عن طريق الوحي فكان يحفظ ما يلقيه إليه الروح الأمين في قلبه, ثم يبلغ ما تلقاه ? إلى الصحابة ? فمنهم من كان يكتب ذلك ومنهم من كان يكتفي بالسماع , وهكذا استمرت الحال إلى أن اكتمل نزول القرآن وقبض رسول الله ? والقران مكتوب في الألواح () والأكتاف () والعسب () واللخاف () ومحفوظ في صدور الرجال كلاً أو بعضاً, إذ كان منهم من يحفظه كله ومنهم من يحفظ بعضه () , ثم دارت حروب الردة في عهد أبي بكر الصديق? فذهب فيها كثير من حفظة القرآن, فخشي عمر ? أن يضيع القرآن بموت هؤلاء الحفظة, وعرض الأمر على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما فتردد في أول الأمر ولم يزل به حتى شرح الله صدره للذي شرح له صدر عمر وعلم أن فيه خيراً كثيراً, وأسندت هذه المهمة العظيمة إلى الصحابي الجليل زيد بن ثابت? , ويحدثنا زيد ? عن هذا الأمر فيقول: (قال أبو بكر: إنك رجل شاب, عاقل لا نتهمك, وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله ? فتتبع القرآن واجمعه, قال زيد: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما
¥