تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الإمام القرطبي رحمه الله في آية الأعراف (65): (أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا، قال ابن عباس أي ابن أبيهم، وقيل: أخاهم في القبيلة، وقيل: أي بشراً من بني أبيهم آدم، وفي مصنف أبي داود أن أخاهم هودا أي صاحبهم ... ) [الجامع لأحكام القرآن للقرطبي].

وبالتأكيد ليس في هذا للقرضاوي معض ولا مستمسك، فليس ذلك النصراني اللبناني ابن أبيه أو ابن أبي المصريين جميعهم، وليس أخاً لهم في القبيلة، وليس صاحبهم، إلا أن يكون بشراً من بني آدم، فنعود إلى الأخوة الإنسانية، وهو ما لا يشي به سياق الحوار في البرنامج؛ ذلك الحوار المطبوع بالذلة وخفض الجناح للنصارى، في حين كانت عباراته في حقي، أنا المسلم، تنبعث منها رائحة الكراهية والسخط، كأني أفوت عليهم فرصة للتقارب أكيدة يقوم على أساسها جلاء الجيوش النصرانية من بلاد الإسلام شرقاً وغرباً.

ونقطة أخرى قبل التحول إلى غيرها؛ وهي أن الآيات السالفة الذكر فيها الإخبار من الله تعالى على تلك الأخوة وفق ما فسر أهل التفسير، وليس فيها أن نبياً من الأنبياء عليهم السلام قال لكافر من الكفار: "يا أخي، يا أخي ... "، أو "يا إخواني ... "، بل يقول: {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ} [هود: 65]، ومثيلاتها، فبطل القياس لهذا الفارق.

زد على هذا أن القرضاوي وأمثاله لا يقولون للشيوعيين والبوذيين والهندوس ... مثلاً؛ يا إخوان، مع أن الإنسانية جامعة، فهل هي إلا أخوة المحبة مع النصارى؟

من هنا كانت إثارة هذه الأخوة مع النصراني اللبناني، الحربي بمفهوم الشرع، تلبيساً خسيساً لا يشي إلا بالأخوة المحرمة، والتي هي ثمرة العقيدة اللجلجة في جانب الولاء والبراء. قال الله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22].

وأقرب الأمرين في مخاطبة النصراني: "يا أخي ... يا أخي ... " أنه إلقاء المودة المحرمة إليه ضداً على الإسلام الذي ينهى المؤمنين عن ذلك. فيقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ} إلى قوله تعالى: {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1].

والقرضاوي يعلن هذه المودة ولا يسر بها، والمفروض شرعاً - أقول المفروض وليس المستحب - أن تبدو العداوة والبغضاء بين المسلمين والكافرين، ولنا في ذلك الأسوة الحسنة في أب الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4]، فليتفضل القرضاوي وليظهر لنا علمه في هذا، وليقل لنا فيما؛ إذا كان النصارى يؤمنون بالله وحده، أم يؤمنون بأن الله ثالث ثلاثة، وأنه سبحانه هو المسيح ابن مريم؟ تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.

* * *

النصارى كفار بالله واليوم الآخر:

إن ما نؤاخذه على القرضاوي في ما نقلناه عنه بأمانة، هو الإطلاقات التي أطلقها في النصارى من حيث وصفهم بأنهم مؤمنون و ... إلى آخره، وهذه الإطلاقات من شأنها أن تُفهَم فهماً يكتنفه كثير من الخلط، وكثير من التيه والضياع، وبالتالي تتسبب في التشويش على المؤمنين حيال هؤلاء النصارى واليهود المشركين بالله، لا سيما وأن هناك كتماناً من طرف الشيخ من حيث ضرورة التفصيل في أنواع الكفار محاربين ومعاهدين وذميين ومستأمنين ... وكيف هي الأحكام الشرعية مختلفة باختلاف هذه الأنواع من الكافرين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير