تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهؤلاء الذين ظلموا منهم، هم أهل الحرب ومن امتنع منهم من أداء الجزية؛ كما قال مجاهد رضي الله عنه، وهم اليوم الذين يصولون ويجولون ويسرحون ويمرحون في بلاد المسلمين، بل يقتلون ويغتصبون ويرهبون وينهبون ويحاصرون ... كما فعل الأمريكان - ولا يزالون -

ويعصرني الألم وأنا أسمع إدانة القرضاوي لليهود باعتبارهم يفعلون في فلسطين المسلمة ما يفعلون، ويبرئ ساحة النصارى على ما هم عليه من عدوان وإجرام في حق أمتنا، وكأني به يجهل أن النصارى هم وراء زرع الكيان اليهودي في قلب أمتنا، وهم الذين يحمون اليهود وينصرونهم بالرجال والأموال والعتاد والتكنلوجيا والدعاية والإعلام والفيتو ... وغير ذلك، ويتجاهل أن النصارى محاربون بكل معاني الكلمة، كما يدل على ذلك الوضع في جنوب السودان وفي احتلال المدينتين المسلمتين سبتة ومليلية، بل واحتلال بلاد الجزيرة العربية الآن احتلالاً مسلحاً، وإن كان مقنّعاً.

بل إن النصارى في مصر والأردن وسوريا ولبنان وغيرها محاربون بكل المعاني الشرعية، وأنهم حقيقة هم وأمثالهم الذين استثناهم الله تعالى بقوله: {إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}، فهؤلاء ليسوا معنيين بالجدال بالتي هي أحسن، ولو على فهم المهزومين.

* * *

ونأتي الآن إلى الأمور المشتركة المزعومة بيننا وبين أهل الكتاب:

فقد ذكر القرضاوي أن هناك أموراً مشتركة بيننا وبين النصارى، ينبغي أن تشكل قاعدة التسامح والتعايش؛ وهي الإيمان بالله واليوم الآخر ... إلخ.

وقد سبق أن بينا بالنصوص القاطعة أن النصارى واليهود لا يؤمنون بالله تعالى، وأن كل من لا يؤمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو بالإسلام، أو بشيء منه؛ فهو لا يؤمن بالله تعالى.

والقول؛ بأنهم مؤمنون بالله ولكنهم كفار بديننا - كما قال القرضاوي - قول سقيم لا يمت إلى العلم بأدنى صلة، ذلك لأن الله الذي يؤمن به اليهود له ابن اسمه عزير، والله الذي يؤمن به النصارى له ابن اسمه المسيح، والله الذي نؤمن به - نحن المسلمين - لم يلد ولم يولد، فهل الله هو هو في عقيدة هؤلاء وهؤلاء؟ اللهم ألف لا.

فإن قالوا: إنهم يؤمنون بالله!

فليس الله الذي يؤمنون به هو الله الذي نعلم نحن أسماءه وصفاته وأفعاله التي هي في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن إبراهيم عليه السلام الذي نجتمع فيه - نحن الثلاثة - مسلمين ويهوداً ونصارى، والذي هو أيضاً من القواسم المشتركة بيننا وبينهم كما يقول الجاهلون، كان مسلماً ولم يكن مشركاً: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: 67]، وفي قوله تعالى: {وما كان من المشركين} إشارة إلى أن اليهود والنصارى مشركون. كيف لا وهم الذين {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31]، أجل: {سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، وكذلك الأمر في قوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [البقرة: 135].

* * *

وأختم بما بدأ القرضاوي به، قال: (كلمة كفار، يعني إيه؟ ملحدون؟ ليسوا ملحدين)، قالها بنبرة غاضبة.

وأقول: بل هم ملحدون بلغة الشرع، وأعلم أنه يقصد ما تعارف الناس عليه اليوم من أن الملحدين هم الدهريون والشيوعيون وأمثالهم الذين ينكرون اليوم الآخر، إلا أن تغليب لغة الشرع في فتاوانا ينبغي أن يكون سائداً، لأنه هو الصواب، ونفي الإلحاد عن أهل الكتاب بهذا الإطلاق لا ينم إلا عن الهشاشة العلمية، أو الكتمان لشهادة الحق عياذاً بالله، فما هو الإلحاد؟

(الإلحاد: الميل وترك القصد; يقال: ألحد الرجل في الدين، وألحد إذا مال، ومنه اللحد في القبر؛ لأنه في ناحيته) [تفسير القرطبي].

(وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الإلحاد التكذيب، وأصل الإلحاد في كلام العرب العدول عن القصد والميل والجور والانحراف ... ) [تفسير القرآن العظيم].

قلتُ: واليهود والنصارى مالوا ميلاً عظيماً، وتركوا القصد المطلوب، وكذبوا بدين الله تعالى جملة وتفصيلاً، وطعنوا في أسماء الله جل وعلا طعناً بليغاً، وجاروا وانحرفوا وانجرفوا، {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89].

* * *

فيا شيخ يوسف القرضاوي، اتق الله تعالى، فقد بلغت من الكبر عتياً، ولم يعد أمامك عمر مديد، وانظر كيف تلقى ربك.

وعد إلى ذلك الماضي المشرق في حياتك يوم كنت طليقاً في سجن أعدائك، وقبل أن تصبح أسيراً في عالم ساداتك وكبرائك اليوم، حيث كنت يومها تنشدنا من وراء القضبان:

النور في قلبي، وقلبي بين يدي ربي، وربي ناصري ومعيني ...

سأظل معتصماً بحبل عقيدتي، وأموت مبتسماً ليحيى ديني ...

فلا تمت عبوساً ليحيى دين شنودة.

وإياك أن تأخذك العزة بالإثم.

اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.

وكتبه؛ محمد بن محمد الفزازي

طنجة، 24 جمادى الأولى 1419هـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير