ونوع آخر من تأثير الدين في انتحال الشعر وإضافته إلى الجاهليين وهو ما يتصل بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه من قريش فلأمر ما اقتنع الناس بأن النبي يجب أن يكون من صفوة بني هاشم وأن تكون بنو هاشم صفوة بني عبد مناف وأن يكون بنو عبد مناف صفوة بني قصى، وأن تكون قصى صفوة قريش، وقريش صفوة مصر، ومضر صفوة عدنان، وعدنان صفوة العرب، والعرب صفوة الإنسانية.
"وهذه آراء الفيلسوف اليهودي مرجليوث".
هذه هي آراء طه حسين موجزة في الإسلام والقرآن والنبي، فهل غيرها".
الواقع أنه ليس هناك دليل من كتاباته الأخيرة أو آثاره من نص يمكن أن يدل على تغير هذه النظرة، بل إن كل الكتابات توحي بأنها أساس لفكرته عن الإسلام ومفهومه له.
حادث السطو التاريخي:
عاد السؤال الملح الحائر حول الدكتور طه حسين مرة أخرى .. بعد أن عادت الصحف إلى إعادة تقييمه ومحاولة رد اعتباره بكتابات ساذجة لا تخدع أحداً .. وكان أولى أن يوضع طه حسين في قائمة كتاب السياسة الحزبية المتصارعة قبل عام 1952 م بكل ما صنعت من توسيد لمفاهيم الهجاء والكلمة الجارحة التي امتد أثرها إلى مجالات الكتابة الأدبية والاجتماعية .. وقد كان طه حسين أحد الهجائيين الكبار .. فضلاً عن ولائه للقصر، وإدعائه من بعد أنه كان مبعداً أو مغضوباً عليه .. وهو الذي ترقى من أستاذ في الجامعة إلى عميد إلى مدير إلى وزير التعليم .. ولم تكن عبارته الصارخة في مدع الملكين فؤاد وفاروق إلا رمزاً لتلك العبودية، وذلك الذل والخضوع .. وقد كان أولى أن يسقط طه حسين من ذلم الركام الذي مضى وانتهى .. ولكنع أعيد لما يحمل من مفاهيم مسمومة يراد لها أن تنتشر وتشير أبحاث خصوم العرب والإسلام إلى دعمها وحمايتها.
ولقد كان كتاب (طه حسين .. حياته وفكره في ميزان الإسلام) خنجراً في صدور الكثيرين حتى جرت محاولاتهم لرد اعتبار طه حسين .. وسافر مستشرقون إلى البلاد العربية للحديث والمحاضرة عنه، والاعتذار عن أخطائه .. وجرت تلك القلة المضللة بأنه تخلى عن أفكاره المسمومة .. ولكن الله تبارك وتعالى الذي يريد أن يظهر الحق ويؤكده شاء أن تصدر في الفترة الأخيرة ثلاثة مؤلفات هامة وضخمة لرجال ثلاثة هم:
الأستاذ محمود محمد شاكر.
الدكتور نجيب البهبيتي.
الدكتور عبد المجيد المحتسب.
وهذه الكتب الثلاثة كشفت مزيداً من الحقائق، ودحضت كثيراً من أهواء القوم .. فهذان رجلان تتلمذا على عميد الأدب في الجامعة، وقد شاء الله لهما أن يكشفا هذه الصفحة الخطيرة: صفحة السطو والمراوغة والمكر التي أخفاها وراء مظهره الأنيق وكلماته البراقة.
فيكتب الأستاذ محمود محمد شاكر في كتابه "المتنبي" فصلاً مطولاً في 160 صفحة عن هذه العلاقة بين الأستاذ والتلميذ على نحو يكشف عن المرارة الشديدة التي دفعت الطالب الصغير إلى أن يترك كلية الآداب نهائياً تقززاً وكراهية لذلك الأسلوب المسموم الذي يصطنعه عميد الأدب العربي فيقول فيما يقول:
الأمر وما فيه هو أن الدكتور طه حسين أراد أن يثيرنا نحن طلبة الجامعة يومئذ بمسألة غريبة هي مسألة "الشعر الجاهلي" .. هذه المسألة من حيث أن الشعر الجاهلي منحول موضوع، وأنه شعر إسلامي صنعه الرواة في الإسلام مسألة كنت أعرفها قبل أن أدخل الجامعة، وقبل أن يلقي علينا الدكتور ما ألقى .. لأني كنت قرأتها في مقالة الأعجمي "مرجليوث" ثم جاء الدكتور طه حسين يردد أقوال مرجليوث وآراءه وحججه .. بجوهرها ونصها .. فلم يزد الأمر عندي على أن يكون ما استمع عليه "حاشية" على متن من المتون .. ولكنها حاشية من نوع مبتكر .. هي حاشية الدكتور طه .. على متن مرجليوث (وهي المعروفة عند الناس باسم كتاب في الشعر الجاهلي).
تتابعت المحاضرات وكل يوم يزداد وضوح السطو العريان على مقالة مرجليوث وهي مسألة فارغة .. بذرتها ثرثرة، وشجرتها ثرثرة، وثمرتها ثرثرة أنشأت عندي قضية هي قضية السطو على أقوال الناس وآرائهم وأعمالهم، ثم إدعاء تملكها بملك عزيز مقتدر، ثم الاستعلاء بهذا الملك المغصوب، والاستطالة به على الناس .. وأبشع من ذلك أن ينكشف أمر هذا الغصب والسطو ويتسامع به الناس، ويدل الكتاب والعلماء على الأصل المغصوب كتابة موثقة منشورة، فلا يبالي الساطي بشيء من ذلك كله .. بل يزداد جرأة وتيها، وإدعاء واستعلاء واستطالة .. وكأن الذي قيل عن سطوه لم يقل، وكأن ظهور سطوه فضيلة
¥