تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لو أن لي في الناس حكماً نافذاً * * * ألزمت بالإفطار كل الناس

وقد أورد في مقاله الذي هاجم فيه الصوم (مجلة مصر الفتاة 15/ 9/1909) حيث قال: "نبغض الصوم ونمله" واستشهد في ذلك بشعر لأبى نواس قال فيه، إذا مضى من رمضان النصف حل لنا اللهو والقصف، وشعر لابن الرومي وصف فيه شهر رمضان بأنه شهر ثقيل بطيء الظل والحركة.

وهكذا تنكشف خبيئية طه حسين قبل سفره إلى أوروبا وهو ما أشار إليه الأستاذ أحمد حسين من أنه لا يحترم المبادئ، ولا يقيم وزناً للقيم التي تعارف عليها الناس، وأنه منذ اتصل بالمستشرقين في الجامعة المصرية القديمة فقد أعد نفسه لحياة معينة .. وأشار الكاتب إلى مغالاة طه حسين في مدى تأثير الثقافة اليونانية على المصريين عل نحو ما نقرأ في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" غلواً شديداً أخرجه عن دائرة الصواب في كثير مما قاله.

وردد الكاتب ما ذكره فتحي رضوان في دراسته عن طه حسين ليوضح لنا أثر الثقافة الغربية ويمهد لهذا بقوله:

"وقد كانت نفس طه حسين كالمكان الفارغ .. فإنه لم يحصل من العلم الأجنبي قبل وفوده إلى مونبيليه وباريس إلا قليلاً، ومن هنا كان يفرح بكل ما يصل إليه من كتب فرنسا وأساتذتها وعلمائها، ويعجب به ويتأثر به ظاهراً وباطناً، ويراه المثل الأعلى".

ومن بين ما تعلمه طه حسين في فرنسا (علمانية الدولة) و (نزع قداسة الدين من النفوس) وراح يفصل ويبين أثره في تكوين أفكار طه حسين وبالأخص الآراء التي أثبتها في كتابه (في الشعر الجاهلي) وردود رجال الدين والفكر عليها.

ولكن لماذا تأثر طه حسين بالثقافة الغربية، وجنح إلى التطرف والغلواء وخاصة فيما يتعلق بالعقيدة. إن من يراجع مقالات طه حسين وقصائده المبكرة التي كان يكتبها في الجرائد قبل اتصاله بفرنسا عام 1914 م يقف على حقيقة مرة .. وهي أن هناك أفكاراً غربية تكشف عن طبيعة عقديته الدينية، وإن هذه الكتابات تدعونا إلى القول بأن نفسية طه حسين كانت مهيأة ابتداء لتلقي الآراء والأقكار التي ألقيت عليه في السربون والتجاوب معها .. وإلا فبماذا نفسر عدم اعتناق الدكتور محمد صبري السربوني لمثل هذه الآراء المتطرفة، بل إن صبري رد على ما كتبه طه حسين عن الشعر الجاهلي مع الأخذ في الاعتبار

أن زوجته كانت أوروبية أيضاً واسمها سوزان أيضاً".

كل هذا الذي نشر عن طه حسين مفرقاً وحول المهرجان الذي حشد فيه المستشرقون الذين كانوا يدافعون عن فكرهم ووجودهم في العالم الإسلامي وأثرهم فيه .. وكذلك التغريبيون من خلال طه حسين وإحساساً بأن هدم طه حسين هو أكبر معول في مؤامراتهم الخطيرة على الإسلام واللغة العربية والتاريخ والرسول صلى الله عليه وسلم .. كل هذا هو صوت الحق الذي شاء الله تعالى أن ينشر ليحق كلمة خالصة، من خلال رجال أعلام: أمثال أحمد حسين وفتحي رضوان .. ولا ريب أن هذه الخيوط تكمل ما ذهبنا إليه، وما نشره تلاميذ العميد وأقرب المقربين إليه.

ومن حسن الحظ أن هذا كله نشر في مجلة وزارة الثقافة كما نشر بها مقال محمود محمد شاكر الذي يسجل فساد الاتجاه الأدبي في الجامعة وكلية الآداب بفضل طه حسين ويأتي في نفس الوقت الحديث عن مؤامرة طه حسين في "الانتماء المصري للعروبة والإسلام" وهو الموضوع الذي أثاره (عبد الحميد الكاتب) والذي يكشف بوضوح عن جريمة طه حسين في تجريد المصريين من طابعهم كعرب وكمسلمين، وربطهم بالفرعونية قديماً وبالبحر الأبيض والغرب والحضارة اليونانية على نحو ذلك الأسلوب المضلل الذي ساقه في كتابه "مستقبل الثقافة" والذي جاراه فيه بعض التغريبيين، والذي أثبتت الدراسات والأحداث فساده وكذبه، وهزمته الحقائق التي تكشف عنها وجه مصر العربي الإسلامي الذي شكل مصر أساساً، وتكشف معه ضلال فكرة السبعة آلاف عام .. فقد أجمع المؤرخون المنصفون على أن هناك "انقطاع حضاري" بين عصر الإسلام وما قبله، وأن الإسلام قد غير هذه البلاد جميعاً، وعزلها عن اللغات والعقائد والتقاليد، والأساطير والوثنيات القديمة التي عاش فيها خلال ألف سنة من حكم اليونان والرومان، وفتح صفحة جديدة من التوحيد الخالص عن طريق القرآن واللغة العربية والإسلام ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كل المحاولات الباطلة والزائفة لإعادة الفرعونية أو الفينيقية أو غيرها من الدعوات لم تنجح .. لأنه لا يوجد لها تراث أو ولا ثقافة لها أصول يمكن الارتباط بها، وهذه الدعاوي من أمثال ما كتبه محمد حسين هيكل وغيره .. وكذلك من ناحية أخرى فشلت دعوى المتوسطية والفكر اليوناني التي دعا إليها طه حسين ومحمود عزمي وأولياء النفوذ الفرنسي السياسي في الثلاثينيات والأربعينيات وتبين أن مصر تتجه إلى قبلة الكعبة وإلى مصدر النور والرسالة الفكرية الثقافية والعقائدية .. الإسلام الذي جاء خاتماً للأديان وجاء كتابه مهيمناً على الكتب وجاء كما قال الحق تبارك وتعالى: "ليظهره على الدين كله".

أنور الجندي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير