تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من السلطان على تربية أبناء المسلمين، وبما وضعوا عليه أيديهم من شئون

الحكومات، وبما احتكروا من طرق التكسب الحر، واستغلوا الضعف الإنساني

بالحاجة إلى طلب العيش فأخرجوا لنا من صنع أيديهم رجالاً مسلمين تأبى نفوسهم

أن تسلم بكثير من عقائد الإسلام وما ورد في الكتاب والسنة، ويستنكرون بعض

التشريعات الإسلامية بخصوصها في الحدود والربا وحجاب النساء والزواج

والطلاق والمواريث والأوقاف، وهم يوقنون بأنهم مسلمون ولا ترضى قلوبهم

وضمائرهم أن ترتطم في لجة الردة من الإٍسلام، فترى فيهم حالة نفسية شاذة،

وحيرة روحية غريبة، لا مخلص لهم منها ولا نجاة، ويمنعهم الكبر العلمي أن

يخضعوا تفكيرهم لما يخالف ما نشأ عليه معلموهم خطوة خطوة، فلا يجدون أمامهم

ليقنعوا أنفسهم ويرضوا ضمائرهم، إلا أن يتأولوا مخالف آرائهم من نصوص

القرآن وظواهره، سواء احتملت التأويل أم لم تحتمل، وكان شأنهم في السنة عجبًا،

فمنهم من يرفضها كلها ويريد أن يقنع الناس - قبل أن يقنع نفسه - بتكذيب كل

الرواة وبوضع كل الأحاديث، ومنهم من يتأول ما أمكنه تأوله ثم يرفض سائرها.

أيها السادة:

كان من آثار هذه التعاليم ومن نتائج هذه الحيرة في كثير من المتعلمين ما

ترون من التهالك على التجديد في الدين - زعموا - ومن محاولة إنكار وجود

الملائكة والجن وتأول النصوص الواردة في ذلك، ومن محاولة إنكار الخوارق

الكونية التي جعلها الله - سبحانه - معجزات أيد بها أنبياءه ورسله إلى الناس،

بتأويلها إلى ما يخرجها عن وجه الإعجاز ويدخلها تحت مقدور الإنسان، ومن إنكار

كل المعجزات الكونية التي أيد الله بها نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، والتي

ثبتت عند المسلمين بالتواتر طبقة عن طبقة مما لا يحتمل الشك أو التردد فضلاً عن

تكذيبه كله تحكيمًا للعقل فيما يظنون.

أيها السادة:

إن العالم ليس محصورًا فيما يقع تحت الحس الإنساني فقط، ومن زعم ذلك

فقد حد من قدرة الله، بل إنه لم يؤمن به؛ ولذلك وصف الله المتقين بأنهم] الَّذِينَ

يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب [(البقرة: 3) أي يؤمنون بما أخبرهم به الأنبياء مما خرج عن

إدراك البشر بقواهم المحدودة، وقد أخبرنا الله - سبحانه - في كتابه بصريح القول

أنه أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وأخبرنا الرسول صلى

الله عليه وسلم أنه عرج به إلى السموات، وأشار الله - سبحانه - إلى ذلك في

القرآن، اقرءوا قوله - تعالى -:] وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى

* وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى * ذُو مِرَّةٍ

فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى

إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ

نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ المُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى

* مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى [(النجم: 1 -

18).

فليس للمؤمن الذي يؤمن بالغيب مندوحة عن تصديق ما أخبر الله به رسوله،

وإن عجز عقله من إدراك حقيقة ما آمن به وكَّل علمه إلى عالمه، كالشأن في

المتشابه من القرآن، يقول الله - تعالى -:] هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ

آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا

تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ

يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [(آل عمران: 7)،

فمن حاول تأويل آيات الله التي أيد بها أنبياءه، فما زاد عن أنه يكذب بها وهو يظن

أنه يستر تكذيبه.

أيها السادة:

إن الذين زعموا أن الإسراء والمعراج كانا بالروح أو منامًا من المتقدمين،

إنما زعموا ذلك استدلالاً بأخبار رأوها في ذلك، وقد بينت لكم أنها أخبار ضعيفة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير