ما أشبه الليلة بالبارحة! كنا – معشر أتباع الدليل – نذكر الأدلة لمقلدة المذاهب، ونعجب بل نستنكر قول المقلدين المتعصبين: إن إمامنا أعرف بهذه الأدلة منكم، وكل من خالف قول إمامنا إما مؤول أو منسوخ!! ثم أرى بعض أتباع الدليل يرجعون إلى مثل هذا القول!!!
فإن كان ذلك القائل لايريد منا إقفال باب الاستقراء والدراسة لأقوال الأئمة المتقدمين، بل هو مؤيد لهذا المنهج = فما الذي يستنكره على دعاة هذا المنهج؟! وأخشى ما أخشاه أنه بذلك يؤصل (من حيث يشعر أو لم يشعر) منهج التقليد الأعمى، وينسف أصل السلفية العظيم، وهو الرجوع الى الدليل الصحيح،وهذا ما نراه في بحوث ودراسات كثير من المعاصرين من المخالفين لنا في منهج دراسة علوم الحديث 0 فأصبحنا ضحكة لأهل البدع: نجتهد في الفروع الفقهية، ونقلد في علوم الحديث!! ونرضى أن نعد أخطاء العلماء العقدية، ونستشنع أن يخطأ أحد منهم في تفسير مصطلح من المصطلحات!!!
فإنا لله وإنا اليه راجعون 0
ثانيا: أضف الى ذلك كله في الرد على تلك المقالة: أن المتأخرين الذين تصدوا إلى علم الحديث تأليفا وبيانا لقواعده وشرحا لمصطلحاته قد أخطئوا في بعض ما قرروه، وهذا يعترف به المخالف قبل المؤالف0
وبجمع بعض تلك الأخطاء بعضها الى بعض، وبعد دراستها لمعرفة سبب وقوع ذلك العالم فيها 0 ولمعرفة ما اذا كانت مجرد خطأ جزئي أم أنها خطأ منهجي = تبين أن بعض تلك الأخطاء سببها خطأ منهجي، أي في طريقة دراسة ذلك العالم لتلك المسائل ومنهجه في تناولها 0 وهذا ما أثبته بوضوح كامل في كتابي (المنهج المقترح)، وبينت دواعيه التاريخية والعلمية والعقدية والفكرية، واستدللت له بأدلة واقعية من أخطاء بعض العلماء 0
وذلك الخطأ المنهجي في دراسة المصطلح لدى المتأخرين لم يتناول كل دراستهم، ولذلك أصابوا في كثير من مباحث علم الحديث، لما طبقوا المنهج الصواب، الذي لاندعوا – اليوم – إلا اليه 0
لكن ظهور ذلك المنهج الخطأ لدى بعض العلماء المتأخرين كان أثره واتساع دائرة تطبيقه تدريجيا، إلى العصر الحديث 0 فكان (المنهج المقترح) أول كتاب يبين بجلاء أن خطا المتأخرين في علوم الحديث ىليس دائما خطأ جزئيا كغيره من الأخطاء التي يمكن استدراكها بسهولة، ولا يكون له خطورة على العلم ذاته0 بل إن بعض تلك الأخطاء نتجت عن خطأ منهجي خطير، قائم (في وجهه اللسافر) على مشاحة أهل الاصطلاح اصطلاحهم، وعلى مناقضة أصحاب التقعيد تقعيدهم!! وكان (المنهج المقترح) بعد ذلك أول كتاب أيضا يبين معالم المنهج الصحيح لفهم المصطلح، بوضع خطوات واضحة له0
وفي الختام: فإني أنصح كل من فاته أجر وشرف السبق إلى إحياء منهج المتقدمين، أن يبادر إلى مسايرة ركب هذا المنهج، الذي يزداد أتباعه يوما بعد يوم (بحمد الله تعالى) 0 ولا تقعدن بك (أخي) حظوظ النفس (من الحسد والكبر) عن فضيلة الرجوع الى الحق، فهذا لن يزيدك إلا كمدا وغما وإثما بزيادة ظهور الحق وأهله؛ فإن الحق يغلب ولا يغلب، وإن بدت للباطل دولة، فغلبة البرهان لاتكون إلا للحق في كل زمان 0
أما السؤال الثاني للأخ السائل:
فهو: هل الشيخ الألباني (عليه رحمة الله) كان على منهج المتقدمين أم المتأخرين؟
فالجواب باختصار: كل ما أصاب فيه الشيخ (عليه رحمة الله) فهو فيه على منهج المتقدمين، وأما ما أخطأ فيه: فمنه خطأ جزئي لا علاقة له بالمنهج، ومنه خطأ منهجي تأثر فيه الشيخ (عليه رحمة الله) بمن سبقه من العلماء المتأخرين، كما تقدم آنفا بيانه 0
أما السؤال الثالث: عن ضابط مخالفة المتقد مين في التصحيح والتضعيف، وهل يسوغ تصحيح أو تضعيف حديث مخالفة للمتقدمين 0
فالجواب: هذه المسألة من أهم المسائل التي بينتها في كتابي الذي نوهت بذكره في بداية الأسئلة، حول مسألة التصحيح والتحسين والتضعيف لأهل الأعصار المتأخرة 0 وهي مسألة طويلة، ولذلك لايمكن تفصيلها هنا 0
لكني أذكر هنا ضابطا كليا، قد يكون في حاجة إلى أمثلة، أرجئها إلى صدور الكتاب؛ فأقول:
إن أحكام الأئمة المتقدمين: منها ما نفهم مأخذه ودليله وعندنا أهلية الاجتهاد فيه، ومنها ما لانفهم دليله ومأخذه أو ليس لدينا أهلية الاجتهاد فيه 0 فالقسم الأول: يحق لنا أن نخالف فيه الإمام المتقدم، والقسم الثاني: لايحق لنا فيه أن نخالفه0
أضف الى ذلك: أن المتقدمين إذا اتفقوا على حكم، أو تلقت الأمة حكم أحدهم بالقبول (مثل أحاديث الصحيحين)، فلا يحق للمتأخرين نقدها، إلا بدعوى صادقة أنها مستثناة مما تلقي بالقبول، كأن يكون خالف في ذلك أحد المتقدمين تصريحا بالقول أو بالتصرف أو تلميحا، وكلما كان القول أو التصرف أقوى في دلالته ودليله كلما قوي الاعتماد عليه،وكلما كان التلميح أخفى كلما احتاج إلى بينة أقوى تسند اجتهاد المتأخر0
والخلاصة أيها الإخوان من أهل الحديث وطلبته: إن طريقكم لطويل، وسهركم في سيركم غير قليل 0 لكن العاقبة فيه حميدة والأجر عند الله جزيل0
¥