[صور من الاعتداء في الدعاء (منقول)]
ـ[المطلبي]ــــــــ[25 - 08 - 07, 03:49 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
صور من الاعتداء في الدعاء*
خالد بن عثمان السبت
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلا ريب أن اللجوء إلى الله تعالى فطرة فطر الله العباد عليها، وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة، كما أن الدعاء عبادة عظيمة تُعد من أجلّ الطاعات وأفضل القربات، بل عده النبي هو العبادة كما روى ذلك أبو داود وغيره من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه مرفوعاً:» الدعاء هو العبادة، قال ربكم ادعوني أستجب لكم «(1).
وقد تظافرت النصوص من الكتاب والسنة في طلبه والثناء على أربابه وهذا أمر معلوم لكل أحد. إلا أن هذه العبادة الشريفة التي تقرب العبد إلى ربه تبارك وتعالى قد يشوبها ما يجعلها موجبة لمقت الله عز وجل وغضبه. قال الله تعالى ((ادعوا ربكم تضرعاً وخُفْيَةً إنه لا يحب المعتدين)) (2) فهذه الآية تضمنت الأمر بالدعاء بالوصفين المذكورين أولاً، كما تضمن ما يدل على النهي وذلك في قوله (إنه لا يحب المعتدين) فهذا يدل على النهي عن الاعتداء في الدعاء.
وحقيقة الاعتداء: مجاوزة حدٍ ما. وقيل: تجاوز الحد في كل شيء (3).
وقد تقاربت أقوال العلماء في بيان معناه هنا - أي المتعلق بالدعاء - وذلك عند تفسيرهم لقوله تعالى (إنه لا يحب المعتدين) (2).
فقال ابن جرير رحمه الله:» إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حده الذي حده لبعاده في دعائه وفي غير ذلك من الأمور «(4).
وقال الطرطوشي:» يعني المجاوزين في الدعاء ما أُمروا به «(5).
وقال القرطبي:» والمعتدي هو المجاوز للحد ومرتكب الحظر «(6).
وقال ابن القيم بعد أن ذكر بعض أنواع الاعتداء في الدعاء:» فكل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله «(7).
ولما كان هذا الأمر - أعني الاعتداء في الدعاء - يكثر وقوعه، رأيت أن الحاجة ماسة للحديث عن هذه الآفة ليحذرها المسلم.
والاعتداء في الدعاء تارة يكون في الأداء والطريقة، وتارة يكون في الألفاظ والمعاني، ويتفرع عن ذلك أمور كثيرة، وسوف أذكر في هذا المقام عشرين نوعاًً من أنواع الاعتداء التي يدخل تحت كل نوع منها صور كثيرة:
النوع الأول:
أن يشتمل الدعاء على شيء من الشرك: وهذا من أسوأ الاعتداء وأشنعه كما لا يخفى لأن الدعاء عبادة لا يجوز صرفه لغير الله عز وجل.
النوع الثاني:
أن يطلب نفي مادل السمع على ثبوته: كأن يدعو لكافرٍ أن لايُعذب أو يُخلد في النار، أو يسأل ربه أن لا يبتليه أبداً، أو لا يبعثه، أو أن لا يُدخل أحداً من المسلمين النار، أو أن لا تقوم الساعة ... ، ونحو ذلك.
النوع الثالث:
أن يطلب ثبوت ما دل السمع على نفيه. كأن يدعو على مؤمن أن يخلده الله في النار، أو يدعو لكافر أن يدخله الله الجنة، أو يدعوا لنفسه أو لغيره - غير النبي -صلى الله عليه وسلم- - أن يكون أول من تنشق عنه الأرض، أو أول من يدخل الجنة.
أو يسأل ربه الخلود إلى يوم القيامة، أو يطلب الاطلاع على الغيب، أو يسأل العصمة من الخطأ والذنوب مطلقاً.
النوع الرابع:
أن يطلب نفي ما دل العقل على ثبوته.
النوع الخامس:
أن يطلب إثبات ما دل العقل على نفيه، كأن يسأل ربه أن يجعله في مكانين في وقت واحد، أو كأن يشهد الحج وفي نفس الوقت يكون مرابطاً في الثغور، أو يدعوا على عدوه أن يكون غير موجود ولا معدوم، أو غير حي ولا ميت» أعني الحياة والموت الحقيقية «.
وهذا النوع والذي قبله ذكرتهما تكملة للقسمة في مقام التفصيل والتبيين الذي يغتفر فيه ما لا يغتفر في مقام الإجمال، ولا يخفى ما بين العقل والنقل من الموافقة.
النوع السادس:
¥