1_ حديث أبي الدرداء المتقدم وفيه "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة" [21].
فإدامة الرسول صلى الله عليه وسلم الصيام في السفر مع وجود الرخصة في الفطر، والتي أخذ بها أصحابه رضي الله عنهم، إرشاد إلى أفضلية الصيام لمن قدر عليه بدون ضرر.
ويناقش هذا الاستدلال، بأن السفر المشار إليه في هذا الحديث، كان قبل غزوة الفتح التي ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر فيها واستمر على الفطر في السفر بعدها، لحديث: "إنه كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم" والعبرة بما كان عليه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ..
وإنما قلنا إن هذا السفر كان قبل غزوة الفتح، لأن عبد الله بن رواحة، قتل في مؤتة وكان ذلك قبل غزوة الفتح، وإن كانتا في سنة واحدة كما يذكر ذلك كثير من أصحاب المغازي. ويجاب عن هذه المناقشة، بأنه يكفي في ثبوت الاستدلال: وجود الرخصة في الفطر التي أخذ بها كل الأصحاب ما عدا عبد الله بن رواحة رضي الله عنه.
كما ثبت من خلال دراستنا للمسألة السابقة، أن فطر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، إنما كان عملا بالرخصة تشجيعا لأصحابه على الفطر بعد أن تردد أكثرهم فيه لما يرون من صيامه صلى الله عليه وسلم وقد جاء ذلك واضحا في رواية لحديث جابر بن عبد الله عن طريق قتيبة بن سعيد عن الدراوردي عن جعفر "فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر" [22].
2_ حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه المتقدم وقد جاء فيه: " .. لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر" [23].
يشير تصريح أبي سعيد باستئناف الصيام بعد غزوة الفتح، إلى أن الفطر في هذه الغزوة كان لظروف معينة، وهي شدة الحر وشعور الناس بمشقة الصيام، ثم للتقوى استعدادا لملاقاة الأعداء وأخيرا لإزالة الأحجام والتردد عن بعض النفوس التي توقفت عن الأخذ بالرخصة لعدم أخذه صلى الله عليه وسلم بها واستمرار صيامه. أما بعد أن زالت هذه الظروف أو تغير أكثرها فإنهم رجعوا إلى الصيام في السفر، وما ذلك إلا لأفضليته على الفطر فيه ..
3_حديث عائشة رضي الله عنها "قصرت وأتممت وأفطرت وصمت، فقال لها صلى الله عليه وسلم أحسنت يا عائشة" وقد تقدم الحديث وما قيل فيه ..
4_ وقد أشار بعض العلماء هنا إلى دليل عقلي، مؤداه: إذا كان ولا بد من الصيام، أداء في رمضان أو قضاء في غيره، فأداؤه في رمضان أفضل من قضائه في غيره وذلك لأفضلية الأداء على القضاء بصفة عامة ولأن رمضان أفضل الوقتين، وحتى لا تشتغل ذمته به فترة من الوقت ولا يدري ما يطرأ عليه فيها [24].
من يرى أفضلية الفطر على الصيام:
من الصحابة: ابن عباس، وابن عمر. ومن التابعين: ابن المسيب، والشعبي و. ومن الفقهاء: الأوزاعي وأحمد وإسحاق وعبد الملك بن الماجشون المالكي ..
من أهم أدلة هذا الفريق ما يلي:
1_ حديث جابر المتقدم وفيه: " .. ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب فقيل له: بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام فقال: أولئك العصاة أولئك العصاة" ..
فإن فطره صلى الله عليه وسلم بمرأى من الناس ثم وصفه بعد ذلك للصائمين، بالعصاة، يشعر بأفضلية الفطر عن الصوم في السفر
ويناقش هذا الاستدلال بأن فطره صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة بالذات وبمرأى من الناس كان لظروف خاصة بها وقد أشرنا إليها قريبا أما وصف الصائمين بالعصاة فإنما كان للمخالفة في تنفيذ أمر الفطر الذي أصدره صلى الله عليه وسلم والذي أوضحه حديث أبي سعيد رضي الله عنه "إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر ثم نزلنا منزلا آخر فقال؟ إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا وكانت عزمة فأفطرنا" [25].
2_ حديث جابر بن عبد الله أيضا "ليس البر أن تصوموا في السفر" فنفى الرسول عليه الصلاة والسلام البر عن الصيام في السفر يريد أن الفطر أفضل منه.
¥