تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويقوي ذلك أننا لم نجد في هذا الحديث ولا في أي حديث آخر من الأحاديث الواردة التي اطلعنا عليها في هذا الموضوع قرينة يفهم منها أن الرسول صلى الله عليه وسلم صرح أو ألمح إلى عزمه على الإقامة مدة محددة في مكة في هذه الغزوة، بل بالعكس كانت هناك قرائن يستفاد منها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينوي الخروج من مكة- بعد استقرار الأحوال فيها- في أقرب فرصة.

من هذه القرائن، إزالة ما كان يجول في خواطر كثير من الأنصار بل وقد صرح بعضهم به من أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيستقر في مكة بين أهله وعشيرته بعد أن فتحها الله عليه.

ومنها: إزالة الهواجس من نفوس البقية الباقية من المكيين على شركهم والذين لا يزالون يعتقدون، أن محمداً صلى الله عليه وسلم إنما يريد أن يكون ملكاً عليهم، ثم من خلالهم على بقية العرب- فرحيله بسرعة عنهم بعد أن يسلم بعضهم مقاليد مدينتهم من شأنه أن يبدد هذه الهواجس ويفتح بدلاً منها نوافذ للتفكير في أمر الدعوة والداعي يصل بهم إلى الإيمان بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم.

ومنها: تلك الأنباء التي كانت ترد تباعاً عن هوازن وثقيف وعزمها على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت الحكمة تقضي بالخروج إليهم بسرعة قبل أن يستكملوا عددهم وعدتهم.

وهكذا نجد القرائن تفيد أن إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة مدة محددة لم تكن واردة وإنما كانت الظروف تنبئ بأنه سيغادرها في أول فرصة تسنح له. وعلى ذلك فمهما أقام فهو في سفر ولو أقام شهوراً، وقد قال الترمذي في سننه "أجمع أهل العلم على أن للمسافر أن يقصر ما لم يجمع إقامة وإن أتى عليه سنون" [33].

وأخرج البيهقي عن أنس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة [34].

كما أخرج أيضا عن نافع عن ابن عمر أنه قال أرتج علينا الثلج ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غزاة، قال ابن عمر وكنا نصلي ركعتين [35].

كما أخرج عن ابن شهاب أن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، قال خرجت مع أبي وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث الزهري عام أدرج - هكذا- فوقع الوجع بالشام فأقمنا بالسرغ خمسين ليلة ودخل علينا رمضان فصام المسور وعبد الرحمن بن الأسود وأفطر سعد بن أبي وقاص وأبى أن يصوم، فقلت لسعد يا أبا إسحاق أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت بدراً والمسور يصوم وعبد الرحمن وأنت تفطر، قال سعد: إني أنا أفقه منهم [36].

المختار: الواقع أن مجال الاختيار هنا صعب وخصوصاً بين رأي الجمهور الذي يحدد المدة بأربعة أيام وبين اختيار مجد الدين بن تيمية صاحب منتقى الأخبار، بتحديد المدة بعشرة أيام أو أحد عشر.

وعنصر الصعوبة في أن رأي الجمهور يستند إلى دليل فيه عنصر القصد لكنه بعيد عن مجال موضع النزاع وإن كان فيه رابط يربط بين الأمرين وهو أن كلا الأمرين وارد في السفر. وكلا الأمرين يتعلق بالإقامة.

أما بالنسبة لدليل ابن تيمية، فهو وارد في السفر وفي الصوم الواجب وفي الإقامة الطارئة أثناء السفر لكن ليس فيه عنصر القصد إلى التحديد وإن كان هو أقرب الأمرين إلى السنة. لذا كان هو المختار. إلا أني أرى أن الأحوط هو تبييت نية الصوم لمن أجمع إقامة أربعة أيام.

من نوى الصيام في السفر هل يباح له الفطر أثناء النهار؟

وبمعنى آخر من ترك العمل برخصة الفطر وعزم على الصيام من طلوع الفجر فهل يباح له نقض هذه النية والإفطار في بعض أجزاء النهار:

لبيان ذلك نقول:

إذا أخذ المسلم بالعزيمة وصام من بداية سفره أو من بعض مراحل الطريق ثم بدا له في يوم ما وهو صائم أن يفطر في أثناء النهار، فقد أجاز له الشافعي وأحمد الإفطار بلا أدنى حرج عليه. وعليه أن يقضي هذا اليوم بيوم آخر بعد انتهاء السفر [37] وذلك أخذاً بحديث ابن عباس المتقدم "سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بإناء فيه شراب فشربه نهاراً ليراه الناس ثم أفطر حتى دخل مكة".

ووجه الاستدلال من الحديث واضح، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ يومه صائماً ثم أفطر في أثناء نهار ذلك اليوم وقد جاء في بعض الأحاديث المتقدمة أن ذلك كان بعد العصر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير