تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(1) انظر ترجمة ابن حزم في: كتاب جذوة المقتبس للحميدي رقم: 708، ومطمح الأنفس للفتح بن خاقان ص: 55، والذخيرة 1: 140، والمغرب رقم: 253، وتذكرة الحفاظ للذهبي 3: 341، ولسان الميزان 4: 198 - 202، وانظر أيضاً ما كتبه الأستالذ سعيد الأفغاني في مقدمة كتابه " ابن حزم الأندلسي ورسالته في المفاضلة بين الصحابة " وكتاب Asin Palacios. عن ابن حزم.


يقول الدكتور احسان عباس في مقدمة كتاب جوامع السيرة:
(لسنا نبعد عن الحق حين نفترض أن ابن حزم، في كتابة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يرمي إلى وضع مختصر قريب المأخذ، سهل المتناول، في أيدي طلابه، كما فعل في كثير من رسائله التاريخية، مثل رسالة " نقط العروس "، ورسائله في رجال القراءات، والحديث، والفتوح، وتواريخ الخلفاء؛ وأنه كان في هذا المختصر يضع الأصول التي لا يستغني عن تذكيرها أو استظهارها كل من اشتغل بالسيرة النبوية من طلاب العلم.
قد تكون هذه الغاية التعليمية باعثاً أكيداً، يحدو وعالماً مثل ابن حزم إلى كتابة السيرة النبوية، ولكنها ليست كل ما هنالك من بواعث. ومن يعرف قيمة النقل والاستكثار من السنن في مذهب أهل الظاهر عامةً، وعند ابن حزم خاصة والسيرة جزء هام من هذا النقل يجد أن تناول ابن حزم للسيرة بالنظر الجديد، والتحديد والتقييد، إنما هو جزء من مذهبه. فالنقل أساس من أسس المذهب الظاهري، بل ميزة يعدها ابن حزم للملة الإسلامية على سائر الملل؛ وعن طريق النقص في النقل، وضعف الثقة في الناقلين، هاجم ابن حزم الملل الأخرى، ورآها أضعف من أن تثبت للنقد الصحيح.
غير أن سيرة الرسول ليست جزءاً من النقل فحسب. بل هي صورة عليا من الكمال الإنساني، في نفس ابن حزم، ولذلك لا غرابة في أن يجعل منها موضوعه المحبب، وأن يحاول وضعها للناس وضعاً ميسراً قريباً واضحاً بين الحقائق. وإن الشخصاً يعتقد أن " من أراد خير الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها، فليقتد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليعتمد أخلاقه وسيره ما أمكنه " ... لا يسأل كثيراً عن البواعث التي تضاعف عنايته بالسيرة، وتحدوه إلى كتابتها من جديد.
بل الأمر يزيد على كل ما تقدم قوة ورسوخاً، حين نعلم أن سيرة الرسول عند ابتن حزم، دليل من الأدلة الساطعة على ثبوت نبوته. حقاً إن المعجزة من أدلة النبوة، ولكن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم معجزة تزيد في قوتها ودلالتها على سائر المعجزات المادية.
يقول ابن حزم: " إن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم لمن تدبرها تقتضي تصديقه ضرورةً، وتشهد له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً، فلو لم تكن له معجزة غير سيرته صلى الله عليه وسلم لكفى ".
ويوضح أبو محمد رأيه هذا بالأمثلة، فيقول: " وذلك: أنه عليه السلام نشأ كما قلنا في بلاد الجهل، لا يقرأ ولا يكتب، ولا خرج عن تلك البلاد قط إلا خرجتين: إحداهما إلى الشام وهو صبي مع عمه إلى أول أرض الشام ورجع؛ والأخرى أيضاً إلى أول الشام، ولم يطل بها البقاء، ولا فارق قومه قط. ثم أوطأ الله تعالى رقاب العرب كلها، فلم تتغير نفسه، ولا حالت سيرته، إلى أن مات ودرعه مرهونة في شعيرٍ لقوت أهله أصواع ليست بالكثيرة ولم يبيت قط في ملكه دينار ولا درهم، وكان يأكل على الأرض ما وجد، ويخصف نعله بيده، ويرقع ثوبه، ويؤثر على نفسه؛ وقتل رجل من أفاضل أصحابه، مثل فقده يهد عسكراً قتل بين أظهر أعدائه من اليهود فلم يتسبب إلى أذى أعدائه بذلك، إذ لم يوجب الله تعالى ذلك، ولا توصل بذلك إلى دمائهم، ولا إلى دم واحد منهم، ولا إلى أموالهم، بلى فداه من عند نفسه بمائة ناقة، وهو في تلك الحال محتاج إلى بعير واحد يتقوى به .... "
وبهذا الروح، بل بهذا الأسلوب نفسه، كتب ابن حزم سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وميز بالعناية البالغة فصلين هامين منها، هما: أعلام الرسول، وخلقه وشمائله. وهذان هما الوضوعان اللذان سيكررهما في كتاباته الأخرى، لأنهما شاهدا حق على نبوة الرسول، ولأن ثانيهما يمثل الجانب العملي في الكمال الخلقي.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير