وَيُصَاحِبُ ذَلِكَ تَوَسُّعُهُ اَللُّغَوِيُّ, وَنُمُوُّ حَصِيلَتِهِ مِنْ مُخْتَلَفِ اَلْعُلُومِ اَلْأُخْرَى, وَنُمُوُّ قُدْرَتِهِ عَلَى تَصَوُّرِ اَلْوَقَائِع وَاخْتِلَافِ أَنْمَاطِهَا, وَاحْتِيَاجِ اَلْأُمُورِ اَلْمُشْكَلَةِ إِلَى حُكْمِهَا اَلْفِقْهِيِّ. وَهَذَا يُؤَهِّلُهُ لِأَنْ يَنْهَلَ مِنْ مَصَادِرَ فِقْهِيَّةٍ أَكْثَرَ تَفْصِيلاً وَاسْتِدْلَالاً, إِلَى أَنْ يَصِلَ فِي اَلنِّهَايَةِ -عِنْدَ مَنْ أَرَادَ اَللَّهُ بِهِ خَيْرًا وَفِقْهًا فِي اَلدِّينِ, وَأَنْ يَكُونَ مِنْ حَمَلَةِ اَلْعِلْمِ وَأَوْعِيَتِهِ اَلَّذِينَ يَنْتَفِعُ بِهِمُ اَلْخَلْقُ- إِلَى أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِ اَلْعِلْمِ مِنْ اَلْمُطَوَّلَاتِ, وَيَسِيرُ فِي فَهْمِهَا عَلَى هُدًى وَبَصِيرَةٍ. وَرُبَّمَا وَصَلَ إِلَى دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ, كَمَا قَالَ اَللَّهُ -تَعَالَى-: â أَنْزَلَ مِنَ اَلسَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ل () "اَلرَّعْد: 17 "
وَلِذَلِكَ نَرَى اَلْفَقِيهَ اَلْوَاحِدَ يَكُونُ لَهُ اَلْعَدَدُ مِنْ اَلْمُؤَلَّفَاتِ اَلْفِقْهِيَّةِ اَلْمُتَدَرِّجَةِ فِي سَعَتِهَا, وَمِنْ أُولَئِكَ اَلْإِمَامُ اَلْمُوَفَّقُ اِبْنُ قُدَامَةَ -رَحِمَهُ اَللَّهُ-: لَهُ "اَلْعُمْدَةُ", ثُمَّ "اَلْكَافِي", ثُمَّ "اَلْمُقْنِع", ثُمَّ "اَلْمُغْنِي", وَمِنْ خَيْرٍ اَلْمُخْتَصَرَاتِ فِي مَذْهَبِ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ هَذَا اَلْمُخْتَصَر اَلَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ أَخِي اَلْقَارِئِ, فَهُوَ مِنْ عَمَلِ اَلشَّيْخِ بَدْرِ اَلدِّينِ البَلْبَانِيِّ اَلدِّمَشْقِيِّ, وَمَا حَصَلَ فِيهِ مِنَ اَلْإِيجَازِ اَلَّذِي قَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ اَلْمَوَاضِعِ مُخِلًّا, قَامَ بَلَدِيُّهُ اَلشَّيْخُ عَبْدُ اَلْقَادِرِ بْنُ بَدْرَانَ بِإِيضَاحِهِ, وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مُرَادِ اَلْمُؤَلِّفِ فِيهِ, وَتَضْمِينِهِ فَوَائِدَ أُخْرَى زَائِدَةً ذَاتَ بَالٍ فِي حَاشِيَةِ مُمْتِعَةٍ.
وَقَدْ قَامَ اَلْأَخُ اَلشَّيْخُ اَلْفَاضِلُ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ اَلْعَجَمِيُّ, زَادَهُ اَللَّهُ عِلْمًا, بِإِعْدَادِ هَذَا اَلْمَتْنِ وَحَاشِيَتِهِ, مَعَ تَعْلِيقَاتٍ وَتَوْثِيقٍ, وَمَزِيدِ تَصْحِيحٍ وَتَدْقِيقٍ, لِيَكُونَ هَذَا اَلْمُخْتَصَرُ بَيْنَ يَدَي طَلَبَةِ اَلْعِلْمِ أَدَاةً مُيْسَرَةً تُسَهِّلُ لَهُمُ اَلتَّحْصِيلُ اَلْفِقْهِيُّ, وَصَنَعَ لِلْكِتَابِ مُقَدِّمَةً حَافِلَةً.
أَسْأَلُ اَللَّهَ تَعَالَى لَهُ اَلْمَزِيدَ مِنَ اَلتَّوْفِيقِ, وَالْحِرْصِ عَلَى اَلنَّفْعِ فِي كُلِّ مَجَالٍ, وَبِخَاصَّة مَجَالُ تَقْدِيمِ نَفَائِسِ اَلْفِقْهِ اَلْإِسْلَامِيِّ إِلَى اَلنَّاشِئَةِ.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ.
عُمَانَ 27 رَجَبٍ 1416 هِـ
29/ 12/1995 مْ
كَتَبَهُ
مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ اَلْأَشْقَرُ.
مُقَدِّمَةُ اَلتَّحْقِيقِ
بِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْحَقِّ اَلْمُبِينِ, وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ خَالِقُ اَلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اَلْقَائِلُ: "مَنْ يُرِدْ اَللَّهَ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي اَلدِّينِ" صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحِبِهُ أُولِي اَلنَّجَابَةِ وَالْفَضْلِ الْمَكِينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَهَذَا كِتَابٌ رَشِيقٌ, وَمُخْتَصَرٌ أَنِيقٌ, لِلْإِمَامِ اَلزَّاهِدِ اَلْفَقِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ بَدْرِ اَلدِّينِ البَلْبَانِيِّ اَلْحَنْبَلِيِّ اَلدِّمَشْقِيِّ, أَلَّفَهُ فِي فِقْهِ اَلْحَنَابِلَةِ, بِعِبَارَةٍ وَجِيزَةٍ, وَأَحْكَامٍ غَزِيرَةٍ, وَقَدْ اِخْتَصَرَهُ مِنْ كِتَابِهِ "كَافِي اَلْمُبْتَدِي" لِيُقَرِّبَ عَلَى طَالِبِهِ تَنَاوُلَهُ وَحَفِظَهُ.
وَلِمَكَانَةِ هَذَا اَلْمُخْتَصَرِ عِنْدَ اَلْحَنَابِلَةِ فَقَدْ شَرَحَهُ وَحْشَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ, وَقَالَ عَنْهُ اَلْمُحِبِّي: "وَلَهُ - أَيْ البَلْبَانِيّ - مُخْتَصَرٌ فِي مَذْهَبِهِ صَغِيرُ اَلْحَجْمِ كَثِيرُ اَلْفَائِدَةِ" ().
¥