يَقُولُ اِبْنُ بَدْرَانَ -ذَاكِرًا فَضْلَ اَللَّهِ عَلَيْهِ فِي اَلْيُسْرِ عَلَى هَذَا اَلنَّهْجِ اَلسَّوِيِّ وَالطَّرِيقِ اَلْأَثَرِيِّ-: ". . . إِنَّنِي لَمَّا مَنَّ اَللَّهُ عَلِيَّ بِطَلَبِ اَلْعِلْمِ, هَجَرْتُ لَهُ اَلْوَطَنَ وَالْوَسَنَ, وَكُنْتُ أُبَكِّرُ فِيهِ بُكُورَ اَلْغُرَابِ, وَأَطُوفُ اَلْمَعَاهِدَ لِتَحْصِيلِهِ, وَأَذْهَبُ فِيهِ كُلَّ مَذْهَبٍ, وَأَتَّبِعُ فِيهِ كُلَّ شِعْبٍ وَلَوْ كَانَ عَسِرًا, أُشْرِفُ عَلَى كُلِّ يِفَاعٍ, وَأَتَأَمَّلُ كُلّ غَوْرٍ, فَتَارَةً أُطَوِّحُ بِنَفْسِي فِيمَا سَلَكَهُ اِبْنُ سِينَا فِي " اَلشِّفَا" و "اَلْإِشَارَاتِ" وَتَارَةً أَتَلَقَّفُ مَا سَبَكَهُ أَبُو نَصْرٍ اَلْفَارَابِيِّ مِنْ صِنَاعَةِ اَلْمَنْطِقِ وَتِلْكَ اَلْعِبَارَاتُ, وَتَارَةً أَجُولُ فِي مَوَاقِفِ "اَلْمَقَاصِدِ", و "اَلْمَوَاقِفِ", وَأَحْيَانًا أَطْلُبُ "اَلْهِدَايَةَ" ظَنًّا مِنِّي أَنَّهَا تَهْدِي إِلَى رُشْدٍ, فَأَضُمُّ إِلَيْهَا مَا سَلَكَهُ اِبْنُ رُشْدٍ, ثُمَّ أُرَدِّدُ فِي اَلطَّبِيعِي وَالْإِلَهِيِّ نَظَرًا, وَفِي تَشْرِيح اَلْأَفْلَاكِ أَتَطَلَّبُ خُبْرًا أَوْ خَبَرًا, ثُمَّ أَجُولُ فِي مَيَادِينِ اَلْعُلُومِ مُدَّةً كَعَدَدِ اَلسَّبْعِ اَلْبَقَرَاتِ اَلْعِجَافِ, فَارْتَدَّ إِلَيَّ اَلطَّرْفُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ, وَلَمْ أَحْصُلْ مِنْ مَعْرِفَةِ اَللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ إِلَّا عَلَى أَوْهَامٍ وَخَطَرَاتٍ, وَوَسَاوِسَ وَإِشْكَالٍ, نَشَأَ مِنَ اَلْبَحْثِ وَالتَّدْقِيقِ, فَأَدْفَعُهُ بِمَا أُقْنِعُ نَفْسِي بِنَفْسِي, فَلَمَّا هِمْتُ فِي تِلْكَ اَلْبَيْدَاءِ اَلَّتِي هِيَ عَلَى حَدِّ قَوْلِ أَبِي اَلطِّيبِ:
فِيهَا كَمَا تَتَلَّوْنُ اَلْحِرْبَاءُ يَتَلَوَّنُ اَلْخِرِّيتُ مِنْ خَوْفِ التَّوى
نَادَانِي مُنَادِي اَلْهُدَى اَلْحَقِيقِيُّ: هَلُمَّ إِلَى اَلشَّرَفِ وَالْكَمَالِ, وَدَعْ نَجَاةَ اِبْنِ سِينَا اَلْمَوْهُومَةَ إِلَى اَلنَّجَاةِ اَلْحَقِيقِيَّةِ, وَمَا ذَلِكَ إِلَّا بِأَنْ تَكُونَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ اَلسَّلَفُ اَلْكِرَامُ مِنْ اَلصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ, وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ, فَإِنَّ اَلْأَمْرَ لَيْسَ عَلَى مَا تَتَوَهَّمُ, وَحَقِيقَةُ اَلرَّبِّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْرِكَهَا اَلْمَرْبُوبُ, وَمَا اَلسَّلَامَةُ إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ, وَكِتَابُ اَللَّهِ حَقٌّ, وَلَيْسَ بَعْدَ اَلْحَقِّ إِلَّا اَلضَّلَالُ.
فَهُنَالِكَ هَدَأَ رَوْعِي, وَجَعَلْتُ عَقِيدَتِي كِتَابَ اَللَّهِ, أَكِلُ عَلِمَ صِفَاتِهِ إِلَيْهِ بِلَا تَجْسِيمٍ وَلَا تَأْوِيلٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَعْطِيلٍ, وَانْجَلَى مَا كَانَ عَلَى قَلْبِي مِنْ رَيْنٍ أَوْرَثَتْهُ قَوَاعِدُ أَرِسْطُوطَالِيسَ, وَقُلْتُ: مَا كَانَ إِلَّا مِنَ اَلنَّظَرِ فِي تِلْكَ اَلْوَسَاوِسِ وَالْبِدَعِ وَالدَّسَائِسِ, فَمِنْ أَيْنَ لِعُبَّادِ اَلْكَوَاكِبِ أَنْ يُرْشِدُونَا إِلَى اَلصِّرَاطِ اَلْمُسْتَقِيمِ, وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ?! وَمِنْ أَيْنَ لِأَصْحَابِ اَلْمَقَالَاتِ أَنْ يَعْلَمُوا حَقِيقَةَ قَيُّومِ اَلْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ ?
وَلَوْ كَانَتْ حَقِيقَةُ صِفَاتِ اَللَّهِ -تَعَالَى- تُدْرَكُ بِالْعُقُولِ, لَوَصَلَ أَصْحَابُ رَسَائِلِ "إِخْوَانِ اَلصَّفَا" إِلَى اَلصَّفَا, وَلَوَصَلَ صَاحِبُ "اَلنَّجَاةِ" و "اَلشِّفَا " إِلَى اَلنَّجَاةِ وَغَلِيلُ لُبِّهِ شَفَا, وَلَكِنْ â وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ل () اَلْبَقَرَة: 255 , â وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ اَلْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ل () اَلْإِسْرَاء: 85 , وَأَيْنَ هُمْ مِنْ قَوْلِهِ r , عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ اَلْخُلَفَاءِ اَلرَّاشِدِينَ اَلْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي, عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ, وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ اَلْأُمُورِ, فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ - ? لَكِنْ مَنِ اِتَّبَعَ هَوَاهُ هَامَ فِي كُلِّ وَادٍ, وَلَمْ يُبَالِي بِأَيِّ شِعْبٍ سَلَكَ, وَلَا بِأَيِّ طَرِيقٍ هَلَكَ. . . " ().
¥