ومثال ذلك: ما حدثناه عبد الرحمن بن عمر بن محمد المعدّل إملاءً في منزله بمصر، قال: حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا أبو الزبير، قال: سمعت نافعًا يقول: قال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: " من أتى الجمعة فليغتسل ".
ومثال ذلك أيضًا: ما حدثناه إبراهيم بن سعدون الزاهد، قال حدثنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا علي قال: حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب: أن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يومًا فدخل عليه عروة بن الزبير ... إلى آخره.
محمله محمل المتصل؛ لاستيقان صحبة ابن شهاب لعروة، مع سلامته من التدليس.
وكذا قول عروة -في الحديث نفسه-: كذلك كان بشير ابن أبي مسعود يُحدث عن أبيه؛ لاستيقان /5أ/ إدراك عروة من هو أكبر من بشير،
وكذا ما روى: مالك، عن ابن شهاب، عن محمد بن الربيع: أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى ...
محمله محمل المسند أيضًا؛ لأن محمودًا عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقل مجّةً مجها من بئر في وجهه.
قال أبو عمرو: وكذا سائر ما يرد من مثل هذا هو متصلٌ بالمنقول عنه إلا أن يجيء عن الناقل ما يبين أنه لم يسمعه من المنقول عنه؛ وذلك مثل أن يقول الناقل: "بلغني" أو "سمعت أن فلانًا قال كذا" وانتهى ذلك إلينا، وشبهه من الألفاظ، فذلك غير متصلٍ؛ لأنه ليس في مقام من قال " حدثني " من لم يسمه؛ لأن هذا قد بيّن أن ناقلاً نقله إليه؛ يسميه ويعينه عن المنقول عنه، وذلك الآخر أهمل القول.
فصل
وإذا ذكر التابعي ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصف قول النبي صلى الله عليه وسلم، وسمى الصحابي بما كان منه فليس ذلك من البين الاتصال حتى تكون حكايته لذلك عن قول الصحابي.
وذلك مثل أن تقول عمرة بنت عبد الرحمن: كان من النبي صلى الله عليه وسلم في أمر كذا كذا، فقالت له عائشة رضي الله عنها: كذا.
فليس في هذا ما يرفعه /5ب/ ويوصله، على أنه قد يُخَرّج مثل هذا في المسند من يقصد إلى ذكر اختلاف اللفظ في الحديث الواحد واضطراب الناقلين له، فنذكره على سبيل التنبيه على الخلاف فيه.
فأما إن قالت عمرة: قالت عائشة رضي الله عنها أُتي النبي صلى الله عليه وسلم في كذا، أو سئل عن كذا، فقال فيه كذا ... فهو متصلٌ، وإن لم تقل عمرةُ " حدثتني عائشة " وكذلك ما أشبهه،وهذا على ما قدمناه إذا كان الناقل ممن أدرك المنقول عنه.
فصل
وقد يحكي الصحابي قولاً لا يضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسميه، بل يوقفه على نفسه، فيخرجه أهل الحديث في المسند المتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لامتناع ذلك من أن يكون الصحابي يقوله رأيًا دون التوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم.
ومثال ذلك: ما حدثناه أبو بكر عبد الرحمن بن أحمد المعدّل، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن عمر بن لبابة، قال: حدثنا يحيى بن إبراهيم بن (مزبن) قال: حدثنا مطرف بن عبد الله، عن مالك، عن مسلم بن أبي مريم، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، أنه قال: نساءٌ كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وريحها يوجد من مسيرة خمس مائة سنة.
ومثال /6أ/ ذلك أيضًا: ما حدثناه عبيد الله بن سلمة بن حزم المكتب، قال: حدثنا عمر بن محمد المقرئ، قال: حدثنا أحمد بن الحسن الفارسي – يعرف: بالممتّع – قال: حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل – يعرف بالسيوطي – قال: حدثنا محمد بن إشكاب، قال: حدثنا أبو المنذر إسماعيل بن عمر، قال: حدثنا حمزة بن حبيب الزيات، عن علي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: خير بني آدم خمسة؛ نوحٌ وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام، وخيرهم محمد.
قال أبو عمرو: هذا الحديثان وشبههما لا يجوز أن يقالا بالرأي والاستنباط، إنما يقال مثل هذا على التوقيف، فلذلك دخل في جملة المسند؛ لأن الصحابي لا يقول من رأيه.
فصل
فأما من لا يعرف أنه أدرك من يُحدث عنه فذلك لا يتحمل اتصال حديثه بل يطلق عليه الإرسال.
¥